لما شاهد ذلك استعد للدفاع عن نفسه وضربها إن مستها بسوء غير أن ضربه إياها ومقاومته لدفعها لما كان ربما يتهمه في أنه راودها عن نفسه ودعاها إلى الفحشاء أراه الله سبحانه بفضله برهانا فهم منه ذلك وألهم أن يختار للدفاع عن نفسه سبيل الفرار فقصد باب البيت ليفتحه ويخرج من عندها فعقبته فاستبقا الباب.
ولا مساغ لحمل الهم على الهم بالمخالطة أما في قوله : « وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ » فلان الهم لا يكون إلا بفعل للهام ، والوقاع ليس من أفعال المرأة فتهم به ، وإنما نصيبها منه قبولها لمن يطلبه منها بتمكينه منه. هذا أولا.
على أن يوسف لم يطلب من امرأة العزيز هذا الفعل فيسمى قبولها لطلبه ورضاها بتمكينه منه هما لها فإن نصوص الآيات قبل هذه الآية وبعدها تبرئة من ذلك بل من وسائله ومقدماته أيضا. وهذا ثانيا.
على أن ذلك لو وقع لكان الواجب في التعبير عنه أن يقال : ولقد هم بها وهمت به لأن الأول هو المقدم في الطبع والوضع وهو الهم الحقيقي ، والهم الثاني متوقف عليه لا يتحقق بدونه. وهذا ثالثا.
على أنه قد علم من القصة أن هذه المرأة كانت عازمة على ما طلبته طلبا جازما مصرة عليه ليس عندها أدنى تردد فيه ولا مانع منه يعارض المقتضي له ، فإذن لا يصح أن يقال : إنها همت به مطلقا حتى لو فرض جدلا أنه كان قبولا لطلبه ومواتاة له إذ الهم مقاربة الفعل المتردد فيه ، وأما الهم بمعنى قصدها له بالضرب تأديبا فيصح ذلك فيه بأهون تقدير.
وهذا رابعا. انتهى ملخصا مما أورده صاحب المنار في تفسيره ،.
والجواب : أنه يشارك القول السابق في معنى همه بها فيرد عليه ما أوردناه على سابقه ، وأما ما يختص به أن المراد بهمها به قصدها إياه بضرب ونحوه فمما لا دليل عليه أصلا ، وأما مجرد اتفاق ذلك في بعض نظائر القصة فليس يوجب حمل الكلام عليه من غير قرينة تدل على ذلك.
وأما ما ذكره في استبعاد أن يراد من قوله : « وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ » الهم على المخالطة أو عدم صحته فوجوه سخيفة جدا فإن من المعلوم أن هذه المخالطة تتألف عادة من حركات وسكنات شأن المرأة فيها الفعل دون الانفعال والعمل دون القبول فلو همت به