بضم أو ما يناظره ليلتهب بذلك ما خمدت من نار غريزته الكامنة ، وتلجئه إلى إجابتها فيما تريده منه صح أن يقال : إنها همت به أي بمخالطته وليس من الواجب أن يفسر همها به بقصدها خصوص ما هي قابلة له حتى لا يصح به إطلاق الهم عليه.
وأما ما ذكره أخيرا أنها كانت جازمة غير مترددة فلا يصح أن يراد بهمها الهم على ما تريده من المخالطة ففيه أنها إنما كانت جازمة في إرادتها منه وعزيمتها عليه ، وأما في تحقق الفعل ووقوعه على ما قدرته فلا كيف؟ وقد شاهدت من يوسف الامتناع والإباء عن مراودتها ، وإنما همت به لما قابلها بالاستنكاف ولا جزم لها مع ذلك بإجابته لها ومطاوعته لما أرادته منه وهو ظاهر.
٥ ـ ومن الأقوال في الآية : حمل الكلام على التقديم والتأخير ويكون التقدير : ولقد همت به ولو لا أن رءا برهان ربه لهم بها ، ولما رءا برهان ربه لم يهم بها ، ويجري ذلك مجرى قولهم : قد كنت هلكت لو لا أني تداركتك ، وقد كنت قتلت لو لا أني خلصتك ، والمعنى : لو لا تداركي لهلكت ـ ولو لا تخليصي لقتلت وإن كان لم يقع هلاك وقتل ، ومثله قول الشاعر :
فلا تدعني قومي ليوم كريهة |
|
لئن لم أعجل ضربة أو أعجل |
وفي القرآن الكريم : « إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها » نسبه في المجمع ، إلى أبي مسلم المفسر.
والجواب : أنه إن كان المراد به ما ربما يقوله المفسرون : إن في القرآن تقديما وتأخيرا فإنما ذلك فيما يكون هناك جمل متعددة بعضها متقدمة على بعضها بالطبع فأهمل النظم واكتفى بمجرد العد من غير ترتيب لعناية تعلقت به كما قيل في قوله تعالى : « وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ » : هود : ٧١ إنه من التقديم والتأخير ، وإن التقدير : فبشرناها فضحكت وأما قوله : « وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ » فالمعنى يختلف فيه بالتقديم والتأخير فهو إذا قدم كان هما مطلقا من غير تقييد لعدم جواز كونه جوابا للو لا مقدما عليها على ما ذكروه ، وإذا أخر كان هما مقيدا بالشرط.
وإن كان المراد أنه جواب للو لا مقدم عليها فالنحاة لا يجوزونه قياسا على إن الشرطية ويؤولون ما سمع من ذلك اللهم إلا أن يكون ذلك خلافا منه لهم لعدم الدليل