نفسه عليهالسلام وطمأنينته وأنه لم يحتشم ولم يجزع ولم يتملق حين دعوى براءته مما رمته به إذ كان لم يأت بسوء ولا يخافها ولا ما اتهمته وقد استعاذ بربه حين قال : « مَعاذَ اللهِ ».
قوله تعالى : « وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ » إلى آخر الآيتين. لما كانت الشهادة في معنى القول كان قوله : « إِنْ كانَ قَمِيصُهُ » « إلخ » بمنزلة مقول القول بالنسبة إليه فلا حاجة إلى تقدير القول قبل قوله : « إِنْ كانَ قَمِيصُهُ » « إلخ » ، وقد قيل : إن هذا القول لما أدى مؤدى الشهادة عبر عنه بلفظ الشهادة.
وقد أشار هذا الشاهد إلى دليل ينحل به العقدة ويتضح طريق القضية فتكلم فقال : « إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ » فإن من البين أن أحدهما صادق في دعواه والآخر كاذب ، وكون القد من قبل يدل على منازعتهما ومصارعتهما بالمواجهة فالقضاء لها عليه ، ( وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) فإن كون القد من دبر يدل على هربه منها وتعقيبها إياه واجتذابها له إلى نفسها فالقضاء له عليها. وهو ظاهر.
وأما من هذا الشاهد؟ فقد اختلف فيه المفسرون فقال بعضهم : كان رجلا حكيما أشار للعزيز بما أشار كما عن الحسن وقتادة وعكرمة ، وقيل : كان رجلا وهو ابن عم المرأة وكان جالسا مع زوجها لدى الباب ، وقيل : لم يكن من الإنس ولا الجن بل خلقا من خلق الله كما عن مجاهد ، ورد بمنافاته الصريحة لقوله تعالى : « من أهلها »
ومن طرق أهل البيت عليهالسلام وبعض طرق أهل السنة أنه كان صبيا في المهد من أهلها ، وسيجيء في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.
والذي ينبغي أن ينظر فيه أن الذي أتى به هذا الشاهد بيان عقلي ودليل فكري يؤدي إلى نتيجة هي القاضية لأحد هذين المتداعيين على الآخر ، ومثل هذا لا يسمى شهادة عرفا فإنها هي البيان المتعمد على الحس أو ما في حكمه وبالجملة القول الذي لا يعتمد على التفكير والتعقل كما في قوله : « شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ » : حم السجدة : ٢٠ ، وقوله : « قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ » : المنافقون : ١ فإن الحكم بصدق الرسالة وإن كان في نفسه مستندا إلى التفكر والتعقل لكن المراد بالشهادة تأدية ما عنده من الحق المعلوم قطعا من غير ملاحظة كونه عن تفكر وتعقل كما في موارد يعبر عنه فيها