اتهموه به كشهادة الصبي وقد القميص من خلفه واستباقهما الباب معا ، ولعل منها تقطيع النسوة أيديهن برؤيته واستعصامه عن مراودتهن إياه عن نفسه واعتراف امرأة العزيز لهن أنها راودته عن نفسه فاستعصم.
وقوله : « لَيَسْجُنُنَّهُ » اللام فيه للقسم أي أقسموا وعزموا ليسجننه البتة ، وهو تفسير للرأي الذي بدا لهم ، ويتعلق به قوله : « حَتَّى حِينٍ » ولا يخلو من معنى الانتظار بالنظر إلى قطع حين عن الإضافة والمعنى على هذا ليسجننه حتى ينقطع حديث المراودة الشائع في المدينة وينساه الناس.
ومعنى الآية : ثم ظهر للعزيز ومن يتلوه من امرأته وسائر مشاوريه رأي جديد في يوسف من بعد ما رأوا هذه الآيات الدالة على براءته وعصمته وهو أن يسجنوه حينا من الزمان حتى ينسى حديث المراودة الذي يجلب لهم العار والشين وأقسموا على ذلك.
ويظهر بذلك أنهم إنما عزموا على ذلك لمصلحة بيت العزيز وصونا لأسرته عن هوان التهمة والعار ، ولعل من غرضهم أن يتحفظوا على أمن المدينة العام ولا يخلوا الناس وخاصة النساء أن يفتتنوا به فإن هذا الحسن الذي أوله امرأة العزيز والسيدات من شرفاء المدينة وفعل بهم ما فعل من طبعه أن لا يلبث دون أن يقيم في المدينة بلوى.
لكن الذي يظهر من قوله في السجن لرسول الملك : « ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ » إلى آخر ما قال ، ثم قول الملك لهن : ( ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ) ، وقولهن : ( حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ) ثم قول امرأة العزيز : ( الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) ، كل ذلك يدل على أن المرأة ألبست الأمر بعد على زوجها وأرابته في براءة يوسف عليهالسلام فاعتقد خلاف ما دلت عليه الآيات أو شك في ذلك ، ولم يكن ذلك إلا عن سلطة تامة منها عليه وتمكن كامل من قلبه ورأيه.
وعلى هذا فقد كان سجنه بتوسل أو بأمر منها لتدفع بذلك تهمة الناس عن نفسها وتؤدب يوسف لعله ينقاد لها ويرجع إلى طاعتها فيما كانت تأمره به كما هددته به بمحضر من النسوة بقولها : « وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ ».
قوله تعالى : « وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ » إلى آخر الآية الفتى العبد وسياق الآيات