من ربه خبير بتأويل الأحاديث وتوسل بذلك إلى الكشف عن سر التوحيد ونفي الشركاء ثم أول رؤياهما.
فقال أولا : ( لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ ) ـ وأنتما في السجن ـ ( إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ ) ـ أي بتأويل ذاكما الطعام وحقيقته وما يؤول إليه أمره ـ فأنا خبير بذلك فليكن آية لصدقي فيما أدعوكما إليه من دين التوحيد.
هذا على تقدير عود الضمير في قوله : « بِتَأْوِيلِهِ » إلى الطعام ، ويكون عليه إظهارا منه عليهالسلام لآية نبوته نظير قول المسيح عليهالسلام لبني إسرائيل : « وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » : آل عمران : ٤٩ ، ويؤيد هذا المعنى بعض الروايات الواردة من طرق أهل البيت عليهالسلام كما سيأتي في بحث روائي إن شاء الله تعالى.
وأما على تقدير عود ضمير « بِتَأْوِيلِهِ » إلى ما رأياه من الرؤيا فقوله : « لا يَأْتِيكُما طَعامٌ » إلخ ، وعد منه لهما تأويل رؤياهما ووعد بتسريعه غير أن هذا المعنى لا يخلو من بعد بالنظر إلى السياق.
قوله تعالى : « ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ » بين عليهالسلام أن العلم والتنبؤ بتأويل الأحاديث ليس من العلم العادي الاكتسابي في شيء بل هو مما علمه إياه ربه ثم علل ذلك بتركه ملة المشركين واتباعه ملة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب أي رفضه دين الشرك وأخذه بدين التوحيد.
والمشركون من أهل الأوثان يعتقدون بالله سبحانه ويثبتون يوم الجزاء بالقول بالتناسخ كما تقدم في الجزء السابق من الكتاب لكن دين التوحيد يحكم أن الذي يقدر له شركاء في التأثير أو في استحقاق العبادة ليس هو الله وكذا عود النفوس بعد الموت بأبدان أخرى تتنعم فيها أو تعذب ليس من المعاد في شيء ، ولذلك نفى عليهالسلام عنهم الإيمان بالله وبالآخرة ، وأكد كفرهم بالآخرة بتكرار الضمير حيث قال : « وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ » وذلك لأن من لا يؤمن بالله فأحرى به أن لا يؤمن برجوع العباد إليه.
وهذا الذي يقصه الله سبحانه من قول يوسف عليهالسلام : « وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ