الآية لما أثنى عليهالسلام على ربه وعد ما دفع عنه من الشدائد والنوائب أراد أن يذكر ما خصه به من النعم المثبتة وقد هاجت به المحبة الإلهية وانقطع بها عن غيره تعالى فترك خطاب أبيه وانصرف عنه وعن غيره ملتفتا إلى ربه وخاطب ربه عز اسمه فقال : « رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ».
وقوله : « فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ » إضراب وترق في الثناء ، ورجوع منه عليهالسلام إلى ذكر أصل الولاية الإلهية بعد ما ذكر بعض مظاهرها الجلية كإخراجه من السجن والمجيء بأهله من البدو وإيتائه من الملك وتعليمه من تأويل الأحاديث فإن الله سبحانه رب فيما دق وجل معا ، ولي في الدنيا والآخرة جميعا.
وولايته تعالى أعني كونه قائما كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله منشأها إيجاده تعالى إياها جميعا وإظهاره لها من كتم العدم فهو فاطر السماوات والأرض ولذا يتوجه إليه تعالى قلوب أوليائه والمخلصين من عباده من طريق هذا الاسم الذي يفيد وجوده تعالى لذاته وإيجاده لغيره قال تعالى : « قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » : إبراهيم : ١٠.
ولذا بدأ به يوسف عليهالسلام ـ وهو من المخلصين ـ في ذكر ولايته فقال : « فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ » أي إني تحت ولايتك التامة من غير أن يكون لي صنع في نفسي واستقلال في ذاتي وصفاتي وأفعالي أو أملك لنفسي شيئا من نفع أو ضر أو موت أو حياة أو نشور.
وقوله : « تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ » لما استغرق عليهالسلام في مقام الذلة قبال رب العزة وشهد بولايته له في الدنيا والآخرة سأله سؤال المملوك المولى عليه أن يجعله كما يستدعيه ولايته عليه في الدنيا والآخرة وهو الإسلام ما دام حيا في الدنيا والدخول في زمرة الصالحين في الآخرة فإن كمال العبد المملوك أن يسلم لربه ما يريده منه ما دام حيا ولا يظهر منه ما يكرهه ولا يرتضيه فيما يرجع إليه من الأعمال الاختيارية وأن يكون صالحا لقرب مولاه لائقا لمواهبه السامية فيما لا يرجع إلى العبد واختياره ، وهو سؤاله عليهالسلام الإسلام في الدنيا والدخول في زمرة الصالحين في الآخرة وهو الذي منحه الله سبحانه لجده إبراهيم عليهالسلام : « وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ