فلم يزل يعقوب يمتنع ـ حتى أعطاه يهودا الموثق أن يرد إليه بنيامين ـ فأذن في ذهابهم به معهم ، وأمرهم أن يأخذوا من أحسن متاع الأرض هدية إلى الرجل ـ وأن يأخذوا معهم أصرة الفضة ـ التي ردت إليهم في أوعيتهم ففعلوا.
ولما وردوا مصر لقوا وكيل يوسف على أموره ـ وأخبروه بحاجتهم وأن بضاعتهم ردت إليهم في رحالهم ـ وعرضوا له هديتهم فرحب بهم وأكرمهم ـ وأخبرهم أن فضتهم لهم وأخرج إليهم شمعون الرهين ـ ثم أدخلهم على يوسف فسجدوا له وقدموا إليه هديتهم ـ فرحب بهم واستفسرهم عن حالهم وعن سلامة أبيهم ـ وعرضوا عليه أخاهم الصغير فأكرمه ودعا له ـ ثم أمر بتقديم الطعام فقدم له وحده ، ولهم وحدهم ولمن عنده من المصريين وحدهم.
ثم أمر وكيله أن يملأ أوعيتهم طعاما ـ وأن يدس فيها هديتهم ـ وأن يضع طاسة في عدل أخيهم الصغير ففعل ـ فلما أضاء الصبح من غد شدوا الرحال على الحمير وانصرفوا.
فلما خرجوا من المدينة ـ ولما يبتعدوا قال لوكيله أدرك القوم وقل لهم : بئس ما صنعتم جازيتم الإحسان بالإساءة ـ سرقتم طاس سيدي الذي يشرب فيه ـ ويتفأل به فتبهتوا من استماع هذا القول ، وقالوا : حاشانا من ذلك ، هو ذا الفضة التي وجدناها في أفواه عدالنا جئنا بها إليكم من كنعان ـ فكيف نسرق من بيت سيدك فضة أو ذهبا ، من وجد الطاس في رحله يقتل ـ ونحن جميعا عبيد سيدك ـ فرضي بما ذكروا له من الجزاء فبادروا إلى عدولهم ، وأنزل كل واحد منهم عدله وفتحه ـ فأخذ يفتشها وابتدأ من الكبير ـ حتى انتهى إلى الصغير وأخرج الطاس من عدله.
فلما رأى ذلك إخوته مزقوا ثيابهم ـ ورجعوا إلى المدينة ودخلوا على يوسف ـ وأعادوا عليه قولهم معتذرين معترفين بالذنب ـ وعليهم سيماء الصغار والهوان والخجل ـ فقال : حاشا أن نأخذ إلا من وجد متاعنا عنده ، وأما أنتم فارجعوا بسلام إلى أبيكم.
فتقدم إليه يهوذا وتضرع إليه واسترحمه ـ وذكر له قصتهم مع أبيهم ـ حين أمرهم يوسف بإحضار بنيامين ـ فسألوا أباهم ذلك فأبى أشد الإباء ـ حتى آتاه يهوذا الميثاق على أن يرد بنيامين إليه ـ وذكر أنهم لا يستطيعون أن يلاقوا أباهم ـ وليس معهم بنيامين ، وأن أباهم الشيخ لو سمع منهم ذلك لمات من وقته ـ ثم سأله أن يأخذه مكان بنيامين عبدا لنفسه ويطلق بنيامين ـ لتقر بذلك عين أبيهم المستأنس به بعد فقد أخيه من أمه يوسف.