ما يستحقه من السعادة والشقاوة.
وأما عالم الملائكة وظرف وجودهم فإنما هو عالم الحق غير مشوب بشيء من الباطل كما يدل عليه قوله تعالى : ( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) التحريم : ٦ وقوله : ( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) الأنبياء : ٢٧.
فمقتضى الآيات وما في معناها أنهم في أنفسهم مخلوقات شريفة ووجودات طاهرة نورانية منزهة عن النقص والشين لا تحتمل الشر والشقاء وليس عندها إمكان الفساد والمعصية والتقصير فلا يحكم فيها هذا النظام المادي المبني على أساس الإمكان والاختيار وجواز الصلاح والفساد والطاعة والمعصية والسعادة والشقاء جميعا ، وسيوافيك البحث المستوفى فيه فيما يناسبه من المورد إن شاء الله.
وسيأتي أيضا أن الإنسان لا طريق له إلى هذا الظرف الحق ما دام متوغلا في هذا العالم المادي متورطا في ورطات الشهوات والأهواء كأهل الكفر والفسوق إلا ببطلان عالمهم وخروجهم إلى العالم الحق وظهوره عليهم وانكشاف الغطاء عنهم كما يشير إليه قوله : ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ، ق ـ ٢٢ وهذا هو العالم الذي يسمى بالنسبة إلى الإنسان آخرة.
فتبين أن ظهور عالم الملائكة للناس المتوغلين في عالم المادة متوقف على تبدل الظرف والانتقال من الدنيا إلى الآخرة وهو الموت اللهم إلا في المصطفين من عباد الله وأوليائه المطهرين من أقذار الذنوب الملازمين لساحة قربه لهم أهلية مشاهدة الغيب وهم في عالم الشهادة كالأنبياء عليهمالسلام.
ولعل ما قدمناه هو المراد بقوله : ( ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ ) ، فإنهم إنما اقترحوا نزول الملائكة ليشاهدوهم في صورهم الأصلية حتى يصدقوا وهذا الحال لا تتمهد لهم إلا بالموت كما قال تعالى : ( وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ ـ إلى أن قال ـ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ) الفرقان : ٢٣.