إن لم يؤمنوا بها ، وهؤلاء الكفار المعاندون ليسوا بمؤمنين فهو الهلاك.
وبالجملة لو أنزل الله الملائكة والحال هذا الحال ـ هم يقترحون آية فاصلة تظهر الحق وتميط الباطل لأنزلهم بالحق الفاصل المميز وما كانوا إذا منظرين بل يهلكون ويقطع دابرهم ، هذا محصل ما ذكره بعضهم.
وقيل : المراد بالحق في الآية الموت والمعنى ما نزل الملائكة على الناس إلا مصاحبا للحق الذي هو الموت وما كانوا إذا منظرين ، وكأنه مأخوذ من قوله تعالى : ( يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ ) الآية.
وقيل : المراد بالحق الرسالة أي ما نزل الملائكة إلا بالوحي والرسالة وكأنه مأخوذ من نحو قوله : ( قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ ) النساء : ١٧٠ ( وقوله ( فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ ) الأنعام : ٥.
فهذه وجوه مذكورة في تفسير الآية ودونها وجوه مذكورة في مختلف التفاسير وهي جميعا لا تخلو من شيء وهو أن شيئا منها لا ينطبق على الحصر الموجود في قوله : ( ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ ) فنزول الملائكة لا يختص بعذاب الاستئصال فقط ولا بالموت فقط ، ولا بالوحي والرسالة فقط ، وتوجيه الآية بما يختص بأحد المعاني الثلاث المذكورة للحق يحتاج إلى تقييدها بقيود كثيرة يدفعها إطلاق الآية كما هو ظاهر لمن راجع الوجوه المقررة آنفا.
ويمكن أن يقرر معنى الآية باستمداد من التدبر في آيات أخر أن ظرف الحياة المادية أعني هذه النشأة الدنيوية ظرف يختلط فيه الحق والباطل من غير أن يتمحض الحق في الظهور بجميع خواصه وآثاره كما يشير إليه قوله تعالى : ( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ ) الرعد : ١٧ ، وقد تقدم تفصيل القول في ذلك فما يظهر فيه شيء من الحق إلا وهو يحتمل شيئا من اللبس والشك كما يصدقه استقراء الموارد التي صادفناها مدى أعمارنا ، ومن الشاهد عليه قوله تعالى : ( وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ ) الأنعام : ٩ والظرف ظرف الامتحان والاختيار ولا اختيار إلا مع إمكان التباس الحق بالباطل واختلاط الخير والشر بنحو حتى يقف الإنسان على ملتقى الطريقين ومنشعب النجدين فيستدل على الخير والشر بآثارهما وأماراتهما ثم يختار