والجواب عن الوجه الأول الذي أقيم لوقوع التحريف بالنقص والتغيير وهو الذي تمسك فيه بالأخبار : أما أولا فبأن التمسك بالأخبار بما أنها حجة شرعية يشتمل من الدور على ما يشتمل عليه التمسك بالإجماع بنظير البيان الذي تقدم آنفا.
فلا يبقى للمستدل بها إلا أن يتمسك بها بما أنها أسناد ومصادر تاريخية وليس فيها حديث متواتر ولا محفوف بقرائن قطعية تضطر العقل إلى قبوله بل هي آحاد متفرقة متشتتة مختلفة منها صحاح ومنها ضعاف في أسنادها ومنها قاصرة في دلالتها فما أشذ منها ما هو صحيح في سنده تام في دلالته.
وهذا النوع على شذوذه وندرته غير مأمون فيه الوضع والدس فإن انسراب الإسرائيليات وما يلحق بها من الموضوعات والمدسوسات بين رواياتنا لا سبيل إلى إنكاره ولا حجية في خبر لا يؤمن فيه الدس والوضع.
ومع الغض عن ذلك فهي تذكر من الآيات والسور ما لا يشبه النظم القرآني بوجه ، ومع الغض عن جميع ذلك فإنها مخالفة للكتاب مردودة : أما ما ذكرنا أن أكثرها ضعيفة الأسناد فيعلم ذلك بالرجوع إلى أسانيدها فهي مراسيل أو مقطوعة الأسناد أو ضعيفتها ، والسالم منها من هذه العلل أقل قليل.
وأما ما ذكرنا أن منها ما هو قاصر في دلالتها فإن كثيرا مما وقع فيها من الآيات المحكية من قبيل التفسير وذكر معنى الآيات لا من حكاية متن الآية المحرفة وذلك كما
في روضة الكافي ، عن أبي الحسن الأول : في قول الله : ( أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ ـ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ) فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء ـ وسبق لهم العذاب ( وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً ).
وما في الكافي ، عن الصادق عليهالسلام : في قوله تعالى : ( وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا ) قال : « إن تلووا الأمر وتعرضوا عما أمرتم به فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً » إلى غير ذلك من روايات التفسير المعدودة ـ من أخبار التحريف.
ويلحق بهذا الباب ما لا يحصى من الروايات المشيرة إلى سبب النزول المعدودة من أخبار التحريف كالروايات التي تذكر هذه الآية هكذا : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما