( بيان )
لما ذكر استهزاءهم بكتابه ونبيه وما اقترحوا عليه من الإتيان بالملائكة آية للرسالة عقبه بثلاث طوائف من الآيات وهي المصدرة بقوله : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ ) إلخ وقوله : ( وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً ) إلخ وقوله : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ ) إلخ.
فبين في أوليها أن هذا الاستهزاء دأب وسنة جارية للمجرمين وليسوا بمؤمنين ولو جاءتهم آية آية ، وفي الثانية أن هناك آيات سماوية وأرضية كافية لمن وفق للإيمان وفي الثالثة أن الاختلاف بالإيمان والكفر في نوع الإنسان وضلال أهل الضلال مما تعين لهم يوم أبدع الله خلق الإنسان ، فخلق آدم وجرى هنالك ما جرى من أمر الملائكة بالسجود وإباء إبليس عن ذلك.
قوله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ ) إلى آخر الآيتين. الشيع جمع شيعة وهي الفرقة المتفقة على سنة أو مذهب يتبعونه قال تعالى : ( مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) الروم : ٣٢.
وقوله : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا ) أي رسلا وقد حذف للاستغناء عنه فإن العناية بأصل تحقق الإرسال من قبل من غير نظر إلى من أرسل بل بيان أن البشر الأولين كالآخرين جرت عادتهم على أن لا يحترموا الرسالة الإلهية ويستهزءوا بمن أتى بها ويمضوا على إجرامهم لتكون في ذلك تعزية للنبي صلىاللهعليهوآله فلا يضيق صدره بما قابلوه به من الإنكار والاستهزاء كما سيعود إليه في آخر السورة بقوله : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ) الخ : الآية ـ ٩٧ من السورة.
والمعنى : طب نفسا فنحن نزلنا الذكر عليك ونحن نحفظه ولا يضيقن صدرك بما يقولون فهو دأب المجرمين من الأمم الإنسانية أقسم لقد أرسلنا من قبلك في فرق الأولين وشيعهم وحالهم هذه الحال ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون.
قوله تعالى : ( كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) إلى آخر الآيتين. السلوك.
النفاذ والإنفاذ يقال : سلك الطريق أي نفذ فيه وسلك الخيط في الإبرة أي أنفذه فيها