لنزوله فالشيء وهو في هذه الخزائن غير مقدر بقدر ولا محدود بحد وهو مع ذلك هو.
وقد جمع في تعريف هذه الخزائن بين كونها فوق القدر الذي يلحق الشيء وبين كونها خزائن فوق الواحدة والاثنتين ، ومن المعلوم أن العدد لا يلحق إلا الشيء المحدود وأن هذه الخزائن لو لم تكن محدودة متميزة بعضها من بعض كانت واحدة البتة.
ومن هنا يتبين أن هذه الخزائن بعضها فوق بعض وكل ما هو عال منها غير محدود بحد ما هو دان غير مقدر بقدره ومجموعها غير محدود بالحد الذي يلحق الشيء وهو في هذه النشأة ، ولا يبعد أن يكون التعبير بالتنزيل الدال على نوع من التدريج في قوله : ( وَما نُنَزِّلُهُ ) إشارة إلى كونه يطوي في نزوله مرحلة بعد مرحلة وكلما ورد مرحلة طرأه من القدر أمر جديد لم يكن قبل حتى إذا وقع في الأخيرة أحاط به القدر من كل جانب قال تعالى : ( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) الدهر : ١ فقد كان الإنسان ولكنه لم يكن شيئا مذكورا.
وهذه الخزائن جميعا فوق عالمنا المشهود لأنه تعالى وصفها بأنها عنده وقد أخبرنا بقوله : ( ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ ) أن ما عنده ثابت لا يزول ولا يتغير عما هو عليه فهذه الخزائن كائنة ما كانت أمور ثابتة غير زائلة ولا متغيرة ، والأشياء في هذه النشأة المادية المحسوسة متغيرة فانية لا ثابتة ولا باقية فهذه الخزائن الإلهية فوق عالمنا المشهود.
هذا ما يعطيه التدبر في الآية الكريمة وهو وإن كان لا يخلو من دقة وغموض يعضل على بادئ الفهم لكنك لو أمعنت في التدبر وبذلت في ذلك بعض جهدك استنار لك ووجدته من واضحات كلامه إن شاء الله تعالى وعلى من لم يتيسر له قبوله أن يعتمد الوجه الثالث المتقدم فهو أحسن الوجوه الثلاثة المتقدمة والله ولي الهداية وسنرجع إلى بحث القدر في كلام مستقل يختص به إن شاء الله في موضع يناسبه.
قوله تعالى : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ ) اللواقح جمع لاقحة من اللقح بالفتح فالسكون يقال لقح النخل لقحا أي وضع اللقاح ـ بفتح اللام ـ وهو طلع الذكور من النخل على الإناث لتحمل بالتمر ،