( بيان )
هذه هي الطائفة الثالثة من الآيات الموردة إثر ما ذكر في مفتتح السورة من استهزاء الكفار بالكتاب وبالنبي صلىاللهعليهوآله واقتراحهم عليه آية أخرى غير القرآن ، وقد ذكر الله سبحانه في هذه الطائفة بدء خلقة الإنسان والجان وأمره الملائكة وإبليس أن يسجدوا له وسجودهم وإباء إبليس وهو من الجن ورجمه وإغواءه بني آدم ، وما قضى الله سبحانه عند ذلك من سعادة المتقين وشقاء الغاوين.
قوله تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) قال الراغب في المفردات : أصل الصلصال تردد الصوت من الشيء اليابس ومنه قيل : صل المسمار وسمي الطين الجاف صلصالا ، قال تعالى : ( مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ) ( مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) والصلصلة بقية ماء سميت بذلك لحكاية صوت تحركه في المزادة وقيل : الصلصال المنتن من الطين من قولهم : صل اللحم.
وقال : والحمأة والحمأ طين أسود منتن ، وقال : وقوله : ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) قيل : متغير وقوله : لم يتسنه معناه لم يتغير والهاء للاستراحة. انتهى.
وقوله : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ) إلخ المراد به بدء خلقة الإنسان بدليل قوله : ( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ) الم السجدة : ٨ فهو إخبار عن خلقة النوع وظهوره في الأرض فإن خلق أول من خلق منهم ومنه خلق الباقي خلق الجميع.
قال في مجمع البيان : وأصل آدم كان من تراب وذلك قوله : ( خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ) ثم جعل التراب طينا وذلك قوله : ( وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) ثم ترك ذلك الطين حتى تغير واسترخى وذلك قوله : ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) ثم ترك حتى جف وذلك قوله : ( مِنْ صَلْصالٍ ) فهذه الأقوال لا تناقض فيها إذ هي إخبار عن حالاته المختلفة. انتهى.
قوله تعالى : ( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ) قال الراغب : السموم الريح الحارة تؤثر تأثير السم. انتهى. وأصل الجن الستر وهو معنى سار في جميع ما اشتق منه كالجن والمجنة والجنة والجنين والجنان بالفتح وجن عليه الليل وغير ذلك.