والجن طائفة من الموجودات مستورة بالطبع عن حواسنا ذات شعور وإرادة تكرر في القرآن الكريم ذكرهم ونسب إليهم أعمال عجيبة وحركات سريعة كما في قصص سليمان عليهالسلام وهم مكلفون ويعيشون ويموتون ويحشرون تدل على ذلك كله آيات كثيرة متفرقة في كلامه تعالى.
وأما الجان فهل هو الجن بعينه أو هو أبو الجن كما أن آدم عليهالسلام أبو البشر كما عن ابن عباس أو هو إبليس نفسه كما عن الحسن أو الجان نسل إبليس من الجن أو هو نوع من الجن كما ذكره الراغب؟ أقوال مختلفة لا دليل على أكثرها.
والذي يهدي إليه التدبر في كلامه تعالى أنه قابل في هاتين الآيتين الإنسان بالجان فجعلهما نوعين اثنين لا يخلوان عن نوع من الارتباط في خلقتهما ، ونظير ذلك قوله : ( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ) الرحمن : ١٥.
ولا يخلو سياق ما نحن فيه من الآيات من دلالة على أن إبليس كان جانا وإلا لغا قوله : ( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ ) إلخ ، وقد قال تعالى في موضع آخر من كلامه في إبليس : ( كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) الكهف : ٥٠ فأفاد أن هذا الجان المذكور هو الجن نفسه أو هو نوع من أنواع الجن ثم ترك سبحانه في سائر كلامه ذكر الجان من أصله ولم يذكر إلا الجن حتى في موارد يعم الكلام فيها إبليس وقبيله كقوله تعالى : ( شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ) الأنعام : ١١٢ وقوله : ( وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ) : حم السجدة : ٢٥ وقوله : ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ ـ إلى أن قال ـ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ) الرحمن : ٣٣.
وظاهر هذه الآيات من جهة المقابلة الواقعة فيها بين الإنسان والجان تارة وبين الإنس والجن أخرى أن الجن والجان واحد وإن اختلف التعبير.
وظاهر المقابلة بين قوله : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ) إلخ ، وقوله : ( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ ) إلخ أن خلق الجان من نار السموم المراد به الخلق الابتدائي وبدء ظهور النوع كخلق الإنسان من صلصال ، وهل كان استمرار الخلقة في أفراد الجان المستتبع لبقاء النوع على سنة الخلق الأول من نار السموم بخلاف الإنسان حيث بدئ