خلقه من تراب ثم استمر بالنطفة كلامه سبحانه خال عن بيانه ظاهرا غير ما في بعض كلامه من نسبة الذرية إلى إبليس كما قال : ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي ) الكهف : ٥٠ ونسبة الموت إليهم كما في قوله : ( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ) : حم السجدة : ٢٥ والمألوف من نوع فيه ذرية وموت هو التناسل والكلام بعد في هذا التناسل هل هو بسفاد كسفاد نوع من الحيوان أو بغير ذلك؟
وقوله : ( خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ ) مقطوع الإضافة أي من قبل خلق الإنسان والقرينة هي المقابلة بين الخلقين.
وعد مبدإ خلق الجان في الآية هو نار السموم لا ينافي ما في سورة الرحمن من عده مارجا من نار أي لهيبا مختلطا بدخان فإن الآيتين تلخصان أن مبدأ خلقه ريح سموم اشتعلت فكانت مارج نار.
فمعنى الآيتين : أقسم لقد بدأنا خلق النوع الإنسان من طين قد جف بعد أن كان سائلا متغيرا منتنا ونوع الجان بدأنا خلقه من ريح حارة حادة اشتعلت فصارت نارا.
قوله تعالى : ( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً ) إلى آخر الآية ، قال في المفردات : البشرة ظاهر الجلد والأدمة باطنه كذا قال عامة الأدباء ـ إلى أن قال ـ وعبر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الشعر أو الوبر ، واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع وثنى فقال تعالى : ( أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ ) وخص في القرآن في كل موضع اعتبر من الإنسان جثته وظاهره بلفظ البشر نحو : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً ) انتهى موضع الحاجة.
وقوله : ( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً ) بإضمار فعل والتقدير : واذكر إذ قال ربك ، وفي الكلام التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة وكان العناية فيه مثل العناية التي مرت في قوله : ( وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ) فإن هذه الآيات أيضا تكشف عن نبإ ينتهي إلى الحشر والسعادة والشقاوة الخالدتين.
على أن التكلم مع الغير في السابق ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا ) ( خَلَقْناهُ ) من قبيل تكلم العظماء عنهم وعن خدمهم وأعوانهم تعظيما أي بأخذه تعالى ملائكته الكرام معه في