الأمر وهذه العناية مما لا يستقيم في مثل المقام الذي يخاطب فيه الملائكة في إخبارهم بإرادته خلق آدم عليهالسلام وأمرهم بالسجود له إذا سواه ونفخ فيه من روحه فافهم ذلك ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى : ( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ) التسوية جعل الشيء مستويا قيما على أمره بحيث يكون كل جزء منه على ما ينبغي أن يكون عليه فتسوية الإنسان أن يكون كل عضو من أعضائه في موضع الذي ينبغي أن يكون فيه وعلى الحال التي ينبغي أن يكون عليها.
ولا يبعد أن يستفاد من قوله : ( إِنِّي خالِقٌ ) ( فَإِذا سَوَّيْتُهُ ) أن خلق بدن الإنسان الأول كان على سبيل التدريج الزماني فكان أولا الخلق وهو جمع الأجزاء ثم التسوية وهو تنظيم الأجزاء ووضع كل جزء في موضعه الذي يليق به وعلى الحال التي تليق به ثم النفخ ولا ينافيه ما في قوله تعالى : ( خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) آل عمران : ٥٩ فإن قوله : ( ثُمَّ قالَ لَهُ ) إلخ ناظر إلى كينونة الروح وهو النفس الإنسانية دون البدن كما عبر عنه في موضع آخر بعد بيان خلق البدن بالتدريج بقوله : ( ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ) المؤمنون : ١٤.
وقوله : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) النفخ إدخال الهواء في داخل الأجسام بفم أو غيره ويكنى به عن إلقاء أثر أو أمر غير محسوس في شيء ، ويعني به في الآية إيجاده تعالى الروح الإنساني بما له من الرابطة والتعلق بالبدن ، وليس بداخل فيه دخول الهواء في الجسم المنفوخ فيه كما يشير إليه قوله سبحانه : ( ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ) المؤمنون : ١٤ وقوله تعالى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) الم السجدة : ١١.
فالآية الأولى ـ كما ترى ـ تبين أن الروح الإنساني هو البدن منشأ خلقا آخر والبدن على حاله من غير أن يزاد فيه شيء ، والآية الثانية تبين أن الروح عند الموت مأخوذ من البدن والبدن على حاله من غير أن ينقص منه شيء.
فالروح أمر موجود في نفسه له نوع اتحاد بالبدن بتعلقه به وله استقلال عن البدن إذا انقطع تعلقه به وفارقه وقد تقدم بعض ما يتعلق من الكلام بهذا المقام في