تفسير قوله تعالى : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ ) البقرة : ١٥٤ في الجزء الأول من الكتاب.
ونرجو أن نستوفي هذا البحث في ذيل قوله : ( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) الآية ٨٥ من سورة إسراء إن شاء الله.
وإضافة الروح إليه تعالى في قوله : ( مِنْ رُوحِي ) للتكرمة والتشريف من الإضافة اللامية المفيدة للملك ، وقوله : ( فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ) أي اسجدوا ، ولا يبعد أن يفهم منه أن خروا على الأرض ساجدين له فيفيد التأكيد في الخضوع من الملائكة لهذا المخلوق الجديد كما قيل.
ومعنى الآية فإذا عدلت تركيبه وأتممت صنع بدنه وأوجدت الروح الكريم المنسوب إلي الذي أربط بينه وبين بدنه فقعوا وخروا على الأرض ساجدين له.
قوله تعالى : ( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) لفظة أجمعون تأكيد بعد تأكيد لتشديده ، والمراد أن الملائكة سجدوا له بحيث لم يبق منهم أحد وقد استثنى من ذلك إبليس ولم يكن منهم لقوله تعالى : ( كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) الكهف : ٥٠ وأما قول من قال : إن طائفة من الملائكة كانوا يسمون الجن وكان إبليس منهم أو إن الجن بمعنى الستر فيعم الملائكة وغيرهم فمما لا يصغي إليه ، وقد تقدم في تفسير سورة الأعراف كلام في معنى شمول الأمر بالسجود لإبليس مع عدم كونه من الملائكة ومعنى الآيتين ظاهر.
قوله تعالى : ( قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) ( ما لَكَ ) مبتدأ وخبر أي ما الذي هو كائن لك؟ وقوله : ( أَلَّا تَكُونَ ) من قبيل نزع الخافض والتقدير في أن لا تكون مع الساجدين وهم الملائكة ، ومحصل المعنى : ما بالك لم تسجد؟
قوله تعالى : ( قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) في التعبير بقوله : ( لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ ) دون أن يقول : لا أسجد أو لست أسجد دلالة على أن الإباء عن السجدة مقتضى ذاته وكان هو المترقب منه لو اطلع على جوهره فتفيد الآية بالكناية ما يفيده قوله في موضع آخر : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ