بيانه إغراء بالمعصية كلام خال عن الدليل فإبهام اللفظ بالنسبة إلينا غير إبهام ما ألقي إلى إبليس من القول بالنسبة إليه على أن إغراء إبليس بالمعصية وهو الأصل لكل معصية مفروضة لا يخلو عن إشكال فافهمه.
على أن قول إبليس ثانيا : ( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) شاهد على أنه سيبقى إلى آخر ما يعيش الإنسان في الدنيا ممن يمكنه إغواؤه فقد كان فهم من قوله تعالى : ( إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) أنه آخر عمر البشر العائشين في الأرض الجائز له إغواؤهم.
ونسب إلى ابن عباس ومال إليه الجمهور : أن اليوم هو آخر أيام التكليف ـ وهو النفخة الأولى يوم يموت الخلائق وكأنه مبني على أن إبليس باق ما بقي التكليف وأمكنت المخالفة والمعصية ، وهو مدة عمر الإنسان في الدنيا ، وينتهي ذلك إلى النفخة الأولى التي بها يموت الخلائق فهو يوم الوقت المعلوم الذي أنظره الله إليه ، وبينه وبين النفخة الثانية التي فيها يبعثون أربعمائة سنة أو أربعون سنة على اختلاف الروايات ، وهي ما به التفاوت بين ما سأله إبليس وبين ما أجاب إليه الله سبحانه.
وهذا وجه حسن لو لا ما فيه من قولهم : إن إبليس باق ما بقي التكليف وأمكنت المخالفة والمعصية فإنها مقدمة لا بينة ولا مبينة وذلك أن تعويل القوم في ذلك على أن المستفاد من الآيات والأخبار كون كل كفر وفسوق موجود في النوع الإنساني مستندا إلى إغواء إبليس ووسوسته كما يدل عليه أمثال قوله تعالى : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) : يس : ٦٠ وقوله : ( وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ) إلخ إلى غير ذلك من الآيات. ومقتضاها أن يدوم وجود إبليس ما دام التكليف باقيا ، والتكليف باق ما بقي الإنسان وهو المطلوب.
وفيه أن كون المعصية الإنسانية مستندة بالجملة إلى إغواء إبليس مستفادة من الآيات والروايات لا غبار عليه لكنه إنما يقتضي بقاء إبليس ما دامت المعصية والغواية باقية لا بقاءه ما دام التكليف باقيا ، ولا دليل على الملازمة بين المعصية والتكليف وجودا.
بل الحجة قائمة من العقل والنقل على أن غاية الإنسان النوعية وهي السعادة ستعم النوع ويتخلص المجتمع الإنساني إلى الخير والصلاح ولا يعبد على الأرض يومئذ إلا