بعد : ( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) مشعر بأن إباءه عن السجدة نوع خصومة وعداوة منه لهذا النوع آخذا من آدم إلى آخر من سيولد ويعيش من ذريته.
فكأنه عليه اللعنة فهم من قوله تعالى : ( وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ ) أن له شأنا مع النوع الإنساني إلى يوم القيامة وأن لشقائهم وفساد أعمالهم ارتباطا به من حيث امتنع عن السجود ولذلك سأل النظرة إلى يوم يبعثون مفرعا ذلك على اللعنة المجعولة عليه فقال : ( رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ولم يقل : رب أنظرني إلى يوم يبعثون ولم يقل : أنظرني إلى يوم يموت آدم أو أنظرني ما دام حيا يعيش بل ذكر آدم وبنيه جميعا وطلب النظرة إلى يوم يبعثون مفرعا ذلك على اللعنة إلى يوم الدين فلما أجيب إلى ما سأل أبدى ما في كمون ذاته وقال : ( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ).
قوله تعالى : ( قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) جواب منه سبحانه لإبليس وفيه إجابة ورد أما الإجابة فبالنسبة إلى أصل الإنظار الذي سأله وأما الرد فبالنسبة إلى القيد وهو أن يكون الإنظار إلى يوم يبعثون فإن من الواضح اللائح بالنظر إلى سياق الآيتين أن يوم وقت المعلوم غير يوم يبعثون فلم يسمح له بإنظاره إلى يوم يبعثون بل إلى يوم هو غيره ولا محالة هو قبل يوم البعث.
وبذلك يظهر فساد قول من قال إنه لعنه الله أجيب إلى ما سأل واليومان في الآيتين واحد ومن الدليل عليه قوله في سورة الأعراف في القصة : ( قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ) الآية : ١٥ من غير أن يقيد بشيء.
أما فساد دعواه اتحاد اليومين في الآيتين فقد ظهر مما تقدم وأما فساد الاستدلال بإطلاق آية الأعراف فلأنها تتقيد بما في هذه السورة وسورة ص من التقييد بقوله : ( إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) وهذا كثير شائع في كلامه تعالى والقرآن يشهد بعضه على بعض وينطق بعضه ببعض.
وظاهر يوم الوقت المعلوم أنه وقت تعين في العلم الإلهي نظير قوله : ( وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) الحجر : ٢١ وقوله : ( أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ) الصافات : ٤١ فهو معلوم عند الله قطعا وأما أنه معلوم لإبليس أو مجهول عنده فغير معلوم من اللفظ ، وقول بعضهم : إنه سبحانه أبهم اليوم ولم يبين فهو معلوم لله غير معلوم لإبليس لأن في