الدعاء لا مفر له من دعوته تعالى بما يثير به الرحمة الإلهية المطلقة وهو الالتجاء إليه بربوبيته له ليستجيب له وهو مغضوب عليه.
وقد صدر مسألته بفاء التفريع في قوله : ( فَأَنْظِرْنِي ) وذكر فيه بعثة عامة البشر من غير أن يخص بالذكر آدم أباهم الذي ابتلي بالرجم واللعن من أجل الإباء عن السجود له وذلك كله مبني على ما تقدم في تفسير آيات القصة في سورة الأعراف أن المأمور به كان هو السجود لعامة البشر وكان آدم عليهالسلام كالقنبلة المنصوبة للسجود يمثل به النوع الإنساني.
وتوضيحه أنه قد تقدم في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ) الأعراف : ١١ أنهم إنما أمروا بالسجدة لنوع الإنسان لا لشخص آدم عليهالسلام ولم يكن هذه السجدة تشريفا اجتماعيا من غير غاية حقيقية بل كانت خضوعا بحسب الخلقة فهم بحسب ما أريد من خلقتهم خاضعون للإنسان بحسب ما أريد من كمال خلقته ، أي إنهم مسخرون لأجله عاملون في سبيل سعادة حياته أي إن للإنسان منزلة من القرب ومرحلة من كمال السعادة تفوق ما للملائكة من ذلك.
فسجودهم جميعا له دليل أنهم جميعا مسخرون في سبيل كماله من السعادة عاملون لأجل فوزه وفلاحه كملائكة الحياة وملائكة الموت وملائكة الأرزاق وملائكة الوحي والمعقبات والحفظة والكتبة وغيرهم ممن تذكرهم متفرقات الآيات القرآنية فالملائكة أسباب إلهية وأعوان للإنسان في سبيل سعادته وكماله.
ومن هنا يظهر للمتدبر الفطن أن إباء إبليس عن السجدة استنكاف منه عن الخضوع لنوع الإنسان والعمل في سبيل سعادته وإعانته على كمال المطلوب على خلاف ما ظهر من الملائكة فهو بإبائه عن السجدة خرج من جمع الملائكة كما يفيده قوله تعالى : ( ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) وأظهر الخصومة لنوع الإنسان والبراءة منهم ما حيوا وعاشوا أو خالدا مؤبدا.
ويؤيده جعله تعالى اللعنة المطلقة عليه من يوم أبى إلى يوم الدين وهو مدة مكث النوع الإنساني في هذه الدنيا فجعلها عليه كذلك ولما يدع إبليس أنه سيغويهم ولم يقل