وقوله : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ ) وهي المياه الجارية في مختلف أقطار الأرض وتسخيرها هو تدليلها بحيث ينتفع بها الإنسان بالشرب والغسل وإزالة الأوساخ وغير ذلك ويعيش بها الحيوان والنبات المسخران له.
قوله تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) قال الراغب : الدأب إدامة السير دأب في السير دأبا ، قال تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ ) والدأب العادة المستمرة دائما على حالة ، قال تعالى : ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ) أي كعادتهم التي يستمرون عليها. انتهى ، ومعنى الآية واضح.
قوله تعالى : ( وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) السؤال هو الطلب ويفارقه أن السؤال إنما يكون ممن يعقل والطلب أعم وإنما تنبه الإنسان للسؤال من جهة الحاجة الداعية إليه فأظهر له أن يرفع ما حلت به من حاجة وكانت الوسيلة العادية إليه هي اللفظ فتوسل به إليه وربما توسل إليه بإشارة أو كتابة وسمي سؤالا حقيقة من غير تجوز.
وإذ كان الله سبحانه هو الذي يرفع حاجة كل محتاج ممن سواه لا يتعلق شيء بذاته فيما يحتاج إليه في وجوده وبقائه إلا بذيل جوده وكرمه سواء أقر به أو أنكره وهو تعالى أعلم بهم وبحاجاتهم ظاهرة وباطنة من أنفسهم كان كل من سواه عاكفا على باب جوده سائلا يسأله رفع ما حلت به من حاجة سواء أعطاه أو منعه وسواء أجابه في جميع ما سأل أو بعضه.
هذا هو حق السؤال وحقيقته يختص به تعالى لا يتعداه إلى غيره ، ومن السؤال ما هو لفظي ـ كما تقدم ـ ربما يسأل به الله سبحانه وربما يسأل به غيره فهو تعالى مسئول يسأله كل شيء بحقيقة السؤال ويسأله بعض الناس من المؤمنين به بالسؤال اللفظي.
هذا بالنسبة إلى السؤال وأما بالنسبة إلى الإيتاء وهو الإعطاء فقد أطلق من غير أن يقيد باستثناء ونحوه فيدل على أنه ما من سؤال إلا وعنده إعطاء وهذه قرينة أن الخطاب للنوع كما يؤيده أيضا قوله ذيلا ( إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ).
والمعنى أن النوع الإنساني لم يحتج بنوعيته إلى نعمة من النعم إلا رفع الله حاجته