إما كلا أو بعضا وإن كان الفرد منه ربما احتاج وسأل ولم يقض حاجته.
وهذا المعنى هو الذي يؤيده قوله تعالى : ( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) البقرة : ١٨٦ فقد مر في تفسير الآية أنه تعالى لا يرد دعاء من دعاه إلا أن لا يكون دعاء حقيقة أو يكون دعاء إلا أنه ليس دعاءه بل دعاء غيره والفرد من الإنسان ربما لم يواطئ لسانه قلبه أو لغا في دعائه لكن النوع بنوعيته لا يعرف هذرا ولا نفاقا ولا يعرف ربا غيره سبحانه فكلما مسته حاجة فإنه يسأله حقيقة ولا يسأله إلا من ربه فجميع أدعيته مستجابة وسؤالاته مؤتاة وحاجاته مقضية.
وقد ظهر مما تقدم أن ( مِنْ ) في قوله : ( مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ ) ابتدائية تفيد أن الذي يؤتيه الله مأخوذ مما سألوه سواء كان جميع ما سألوه كما في بعض الموارد أو بعضه كما في بعضها الآخر ، ولو كانت من تبعيضية لأفادت أنه تعالى يؤتي في كل سؤال بعض المسئول والواقع خلافه كما أنه لو قيل : وآتاكم كل ما سألتموه أفاد إيتاء الجميع وليس كذلك ولو قيل : مما سألتموه أفاد أن من الجائز أن لا يستجاب بعض الأدعية ويرد بعض الأسئلة من أصله والآية ـ وهي في مقام الامتنان ـ تأبى ذلك.
فبالجملة معنى الآية أن الله تعالى أعطى النوع الإنساني ما سأله فما من حاجة من حوائجه إلا رفع كلها أو بعضها حسب ما تقتضيه حكمته البالغة.
وربما قيل : إن تقدير الكلام : وآتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه وهو مبني على كون المراد بالسؤال هو السؤال اللفظي وقد تقدم خلافه ، وسياق الآية لا يساعد عليه.
وقوله : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) قال الراغب : الإحصاء : التحصيل بالعدد يقال : أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصى واستعمال ذلك فيه من حيث إنهم كانوا يعتمدونه بالعد كاعتمادنا فيه على الأصابع. انتهى.
وفي الجملة إشارة إلى خروج النعم عن طوق الإحصاء ولازمه كون حوائج الإنسان التي رفعها الله بنعمه غير مقدور للإنسان إحصاؤها.
وكيف يمكن إحصاء نعمه تعالى وعالم الوجود بجميع أجزائه وما يلحق بها من الأوصاف والأحوال مرتبطة منتظمة نافع بعضها في بعض متوقف بعضها على بعض ،