فذكر سبحانه أولا نعمته على جمع من عباده المؤمنين وهم بنو إسرائيل من ولد إبراهيم ثم ذكر ثانيا نعمته على جمع آخر منهم وهم بنو إسماعيل من ولد إبراهيم وهي التي يتضمنها دعاء إبراهيم عليهالسلام : ( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) إلى آخر دعائه وفيها نعمة توفيقه تعالى لهم أن يجتنبوا عبادة الأصنام ونعمة الأمن بمكة وميل الأفئدة إلى أهله ورزقهم من الثمرات وغير ذلك كل ذلك لأن الله سبحانه هو العزيز الحميد.
قوله تعالى : ( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) أي واذكر إذ قال إبراهيم والإشارة إلى مكة شرفها الله تعالى.
وقد حكى الله سبحانه نظير هذا الدعاء على اختصار فيه عن إبراهيم عليهالسلام في موضع آخر بقوله : ( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) البقرة : ١٢٦.
ومن الممكن أن يستفاد من اختلاف المحكيين في التعبير أعني قوله : ( اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً ) وقوله : ( اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) أنهما دعاءان دعا عليهالسلام بهما في زمانين مختلفين ، وأنه بعد ما أسكن إسماعيل وأمه أرض مكة ورجع إلى أرض فلسطين ثم عاد إليهما وجد من إقبال جرهم إلى مجاورتهما مكانا ما سر بذلك فدعا عند ذلك مشيرا إلى مكانهم ( رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً ) فسأل ربه أن يجعل المكان بلدا ولم يكن به وأن يرزق أهله المؤمنين من الثمرات ، ثم لما عاد إليهم بعد ذلك بزمان وجد المكان بلدا فسأل ربه أن يجعل البلد آمنا.
ومما يؤيد كونهما دعاءين ما فيهما من الاختلاف من غير هذه الجهة ففي آية البقرة الدعاء لأهل البلد بالرزق من الثمرات وفي الآيات المبحوث عنها الدعاء بذلك لذريته خاصة مع أمور أخرى دعا بها لهم.
وعلى هذا يكون هذا الدعاء المحكي عن إبراهيم عليهالسلام في هذه الآيات آخر ما أورده الله تعالى في كتابه من كلام إبراهيم عليهالسلام ودعائه ، وقد دعا به بعد ما أسكن إسماعيل وأمه بها وجاورتهما قبيلة جرهم وبنى البيت الحرام وبنيت بلدة مكة بأيدي القاطنين هناك كما تدل عليه فقرات الآيات.