إذا أفاض بشيء على شيء خرج ما أفاضه من ملكه ووقع في ملك المستفيض ولا معنى للسؤال ممن لا يملك وإذا قضى سبحانه بشيء حدوثا أو بقاء قضاء حتم لا يتغير عما هو عليه فإنه لا يتعلق على خلافه قدرة ولا مشية وهو خطأ فإن الحاجة من جانب المستفيض باقية على حالها قبل الإفاضة لا تختلف أصلا وملكه تعالى باق بعد الإفاضة على ما كان عليه قبلها ولا يزال سبحانه قادرا له أن يشاء ما يشاء وإن كان لا يشاء فيما قضى بخلافه قضاء حتم ، والسؤال والطلب من آثار الحاجة لا من آثار الفقدان فافهم ذلك وقد أشبعنا القول في هذا المعنى في المباحث المتقدمة مرارا.
وأما الثاني فلأن هضم النفس إنما يستقيم في غير الضروريات وأما الأمور الضرورية فلا ، فلا معنى لقول القائل : لست إنسانا وهو يريد نفي الماهية هضما لنفسه اللهم إلا أن يريد نفي الكمال وكذا القول في إظهار الحاجة وهم لا يرون في الأمور الضرورية المحتومة كالعصمة في الأنبياء حاجة.
وأما الثالث فلأن الشرك الخفي هو الركون والتوجه إلى غير الله على مراتبه ، وإبراهيم عليهالسلام يعلل قوله : ( وَاجْنُبْنِي ) إلخ بقوله ( إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ ) إلخ فهو إنما يسأل الإبعاد من عبادة هذه الأصنام وهي الشرك الجلي دون الحفظ عن الركون والتوجه إلى غير الله تعالى اللهم إلا أن يدعى أن المراد بالصنم كل ما يتوجه إليه غير الله سبحانه ، وكذا المراد بالعبادة مطلق التوجه والالتفات وهو دعوى لا دليل عليها.
ثم استشكلوا في قوله عليهالسلام ( وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) من حيث اشتماله على طلب المغفرة للمشركين ، ولا تتعلق المغفرة بالشرك بنص قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) الآية.
وقد قيل في الجواب عن الإشكال : أن الشرك كان جائز المغفرة في الشرائع السابقة وإنما رفع ذلك في هذه الشريعة بقوله : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) الآية فإبراهيم عليهالسلام جرى في دعائه على ما كان عليه الأمر في شريعته.
وقيل : إن المراد : ومن عصاني فإنك غفور رحيم له بعد توبته ففي الكلام قيد محذوف ، وقيل : المراد ومن عصاني وأقام على الشرك فإنك غفور رحيم بأن تنقله من الشرك إلى التوحيد فتغفر له وترحمه.