ولا حاجة إلى دفعه بأنه كان يعلم بما علمه الله أنه سيبني هناك بيتا لله أو بأن البيت كان قبل ذلك وإنما خربه بعض الطوائف أو رفعه الله إلى السماء في الطوفان وليت شعري إذا اندفع بهما هذا الإشكال فكيف يندفع بهما ما يتوجه من الإشكال على هذا التقدير إلى ظاهر قوله ( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) وظاهر قوله : ( وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ ).
وقوله : ( رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ ) بيان لغرضه من إسكانهم هناك ، وهو بانضمام ما تقدم من قوله : ( بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) وما يعقبه من قوله : ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ ) يفيد أنه عليهالسلام إنما اختار واديا غير ذي زرع أعزل من أمتعة الحياة من ماء عذب ونبات ذي خضرة وشجر ذي بهجة وهواء معتدل خاليا من السكنة ليتمحضوا في عبادة الله من غير أن يشغلهم شواغل الدنيا.
وقوله : ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) إلخ من الهوي بمعنى السقوط أي تحن وتميل إليهم بالمساكنة معهم أو بالحج إلى البيت فيأنسوا بهم ، وارزقهم من الثمرات ، بالنقل إليهم تجارة لعلهم يشكرون.
قوله تعالى : ( رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ ) إلى آخر الآية معناه ظاهر ، وقوله : ( وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ ) من تمام كلام إبراهيم عليهالسلام أو من كلامه تعالى ، وعلى الأول ففي قوله : ( عَلَى اللهِ ) التفات وجهه الإشارة إلى علة الحكم كأنه قيل : إنك تعلم ما نخفي وما نعلن لأنك الله الذي ما يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا يبعد أن يستفاد من هذا التعليل أن المراد بالسماء ما هو خفي علينا غائب عن حسنا والأرض بخلافه فافهم ذلك.
قوله تعالى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ ) كالجملة المعترضة بين فقرات دعائه دعاه إلى إيراده تذكره في ضمن ما أورده من الأدعية عظيم نعمة الله عليه إذ وهب له ولدين صالحين مثلهما بعد ما انقطع عنه الأسباب العادية المؤدية إلى ظهور النسل ، وأنه إنما وهبهما له باستجابة دعائه للولد فحمد الله على ما وهبهما وأثنى عليه على استجابة دعائه في ذلك.
قوله تعالى : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ ) الكلام