قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) يونس : ٤٧.
وقوله : ( أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ ) الإقسام تعليق الحكم في الكلام بأمر شريف من جهة شرافته ليدل به على صدقه إذ لو كذب المتكلم وقد أقسم في كلامه لأذهب بذلك شرف المقسم به كقولنا : والله إن كذا لكذا ولعمري إن الأمر على كذا ، ويعد القسم أقوى أسباب التأكيد. ولا يبعد أن يكون الإقسام في الآية كناية عن إيراد الكلام في صورة جازمة غير قابلة للترديد.
والكلام على تقدير القول والمعنى يقال لهم توبيخا وتبكيتا : ألم تكونوا أقسمتم من قبل نزول العذاب ما لكم من زوال وأنكم بما عندكم من القوة والسطوة ووسائل الدفاع أمة خالدة مسيطرة على الحوادث فما لكم تستمهلون إلى أجل قريب.
قوله تعالى : ( وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) إلى آخر الآية معطوف على محل قوله : ( أَقْسَمْتُمْ ) في الآية السابقة ، والمعنى : أولم تكونوا سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم من الأمم السابقة ، وظهر لكم أن هذه الدعوة حقة ويتعقبها لو ردت عذاب مستأصل ، من جهتين : جهة المشاهدة حيث تبين لكم كيف فعلنا بأولئك الظالمين الذين سكنتم في مساكنهم؟ وجهة البيان حيث ضربنا لكم الأمثال وأنذرناكم عذابا مستأصلا يتعقبه إنكار الحق ورد الدعوة النبوية ويقطع دابر الظالمين.
قوله تعالى : ( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ ) حال من الضمير في ( فَعَلْنا ) في الآية السابقة أو من الضمير في ( بِهِمْ ) فيها أو من الضميرين جميعا على ما قيل ، وضمائر الجمع راجعة إلى ( الَّذِينَ ظَلَمُوا ).
والمراد بكون مكرهم عند الله إحاطته تعالى به بعلمه وقدرته ، ومن المعلوم أن المكر إنما يكون مكرا إذا لم يحط به الممكور به وجهله ، وأما إذا كان الممكور به عالما بما هيأه الماكر من المكر وقادرا على دفعه لغا المكر أو عاد مكرا على نفس الماكر كما قال تعالى : ( وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ ) الأنعام : ١٢٣.
وقوله : ( وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ ) إن وصلية ـ على ما قيل ـ واللام في ( لِتَزُولَ ) متعلق بمقدر يدل عليه لفظ المكر كقولنا يقتضي أو يوجب وما أشبه ذلك ، والتقدير : الله محيط بمكرهم عالم به قادر على دفعه إن كان مكرهم