دون هذه الشدة وإن كان على هذه الشدة.
والمعنى تبين لكم كيف فعلنا بهم والحال أنهم مكروا ما في وسعهم من المكر والله محيط بمكرهم وإن كان مكرهم عظيما موجبا لزوال الجبال.
وربما قيل : إن ( إِنْ ) نافية واللام هي الداخلة على المنفي والمراد بالجبال الآيات والمعجزات كناية والمعنى وما كان مكرهم لتبطل به آيات الله ومعجزاته التي هي كالجبال الراسيات التي لا تزول عن مكانها ، وأيد هذا المعنى بقراءة ابن مسعود ( وما كان مكرهم ) وهو معنى بعيد.
وقرئ أيضا : ( لِتَزُولَ ) بفتح اللام الأولى وضم اللام الثانية ، وعلى هذا تكون ( إِنْ ) مخففة من المشددة والمعنى والتحقيق أن مكرهم كان من العظمة بحيث تزول منه الجبال.
قوله تعالى : ( فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ ) تفريع على ما تقدم أن ترك مؤاخذة الظالمين بعملهم إنما هو لتأخيرهم إلى يوم القيامة أي إذا كان الأمر كذلك فلا تحسبن الله مخلفا لما وعد رسله من نصرهم ومؤاخذة المتخلفين عن دعوتهم ، وكيف يخلف وعده وهو عزيز ذو انتقام شديد ولازم عزته المطلقة أن لا يخلف وعده فإن إخلاف الوعد إما لكون الواعد غير قادر على إنجاز ما وعده أو لتغير من الرأي بعروض حال ثانية تقهره على خلاف ما بعثته إليه الحال الأولى التي أوجبت عليه الوعد والله سبحانه عزيز على الإطلاق لا يتصف بعجز ولا تقهره حال ولا شيء آخر وهو الواحد القهار.
ولازم اتصافه بالانتقام أن ينتقم للحق ممن استكبر عنه واستعلى عليه وينتصف للمظلوم من الظالم.
وذو انتقام من أسمائه تعالى الحسنى التي سمى الله تعالى بها نفسه في مواضع من كلامه وقارنه في جميعها باسمه العزيز ، قال تعالى : ( وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ ) آل عمران : ٤ ، المائدة : ٩٥ وقال : ( أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ ) الزمر : ٣٧ وقال في الآية المبحوث عنها : ( إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ ) ومن ذلك يظهر أن ( ذا انتقام ) من فروع اسم ( العزيز ).