وتشتمل السورة على قوله تعالى : ( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) إلخ ، والآية تقبل الانطباق على ما ضبطه التاريخ أن النبي صلىاللهعليهوآله اكتتم في أول البعثة ثلاث سنين أو أربعا أو خمسا لا يعلن دعوته لاشتداد الأمر عليه فكان لا يدعو إلا آحادا ممن يرجو منهم الإيمان يدعوهم خفية ويسر إليهم الدعوة حتى أذن له ربه في ذلك وأمره أن يعلن دعوته.
وتؤيده الروايات المأثورة من طرق الشيعة وأهل السنة أنه صلىاللهعليهوآله كان يكتتم في أول بعثته سنين لا يظهر فيها دعوته لعامة الناس حتى أنزل الله تعالى عليه : ( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) فخرج إلى الناس وأظهر الدعوة ، وعليه فالسورة مكية نازلة في أول الدعوة العلنية.
ومن غرر الآيات القرآنية المشتملة على حقائق جمة في السورة قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ ) الآية ، وقوله : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ).
قوله تعالى : ( الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ) الإشارة إلى الآيات الكريمة القرآنية فالمراد بالكتاب القرآن ، وتنكير القرآن للدلالة على عظم شأنه وفخامة أمره كما أن التعبير بتلك وهي للإشارة إلى البعيد لذلك.
والمعنى هذه الآيات العالية منزلة الرفيعة درجة التي ننزلها إليك آيات الكتاب الإلهي وآيات قرآن عظيم الشأن فاصل بين الحق. والباطل على خلاف ما يرميها به الكفار بما يرمونك بالجنة مستهزءين بكلام الله.
ومن الممكن أن يراد بالكتاب اللوح المحفوظ فإن القرآن منه وفيه قال تعالى :( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ ) الواقعة : ٧٨ وقال : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) البروج : ٢٢ فيكون قوله : ( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ) كالملخص من قوله : ( وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الزخرف : ٤.
قوله تعالى : ( رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) توطئة لما سيتعرض له من قولهم للنبي : ( يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) يشير به إلى أنهم سيندمون