على ما هم عليه من الكفر ويتمنون الإسلام لله والإيمان بكتابه يوم لا سبيل لهم إلى تحصيل ذلك.
فقوله : ( رُبَما يَوَدُّ ) المراد به ودادة التمني لا مطلق الودادة والحب ، والدليل على ذلك قوله في بيان هذه المودة : ( لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) فإن لفظي ( لَوْ ) و ( كانُوا ) تدلان على أن ودادتهم ودادة تمن وأنهم يتمنون الإسلام بالنسبة إلى ماضي حالهم مما فاتهم ولن يعود إليهم فليس إلا الإسلام ما داموا في الدنيا.
فالآية تدل على أن الذين كفروا سيندمون على كفرهم ويتمنون أن لو كانوا مسلمين بعد انطواء بساط الحياة الدنيا.
قوله تعالى : ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) الإلهاء الصرف والإشغال يقال الهاه كذا عن كذا أي شغله عنه وأنساه ذكره.
وقوله : ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ) أمر برفع اليد عنهم وتركهم وما هم فيه من الباطل ، وهو كناية عن النهي عن الجدال معهم والاحتجاج عليهم لإثبات هذه الحقيقة وهي أنهم سوف يودون الإسلام ويتمنونه ولا سبيل لهم إلى تحصيله وتدارك ما فات منه ، وقوله : ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) في موضع التعليل للأمر أي ذرهم ولا تجادلهم ولا تحاجهم فلا حاجة إلى ذلك لأنهم سوف يعلمون ذلك فإن الحق ظاهر لا محالة.
وفي الآية تعريض لهم أنهم لا غاية لهم في حياتهم إلا الأكل والتمتع بلذات المادة والتلهي بالآمال والأماني فلا منطق لهم إلا منطق الأنعام والحيوان العجم فمن الحري أن يتركوا وما هم فيه ، ولا يلقى إليهم الحجج الحقة المبنية على أساس العقل السليم والمنطق الإنساني.
قوله تعالى : ( وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ) إلى آخر الآيتين تثبيت وتوكيد لقوله في الآية السابقة : ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) على ما يعطيه السياق والمعنى دعهم فإنهم لا يسلمون في هذه الحياة الدنيا وإنما يودون الإسلام بعد حلول أجلهم ونزول الهلاك بهم ، والناس ليسوا بذوي خيرة في ذلك بل لكل أمة كتاب معلوم عند الله مكتوب فيه أجلهم لا يقدرون أن يستقدموه ولا يستأخروه ساعة.