وجدنا حقيقة الأمر على خلاف ذلك فقول القائل : جاءني زيد مثلا ليس كلاما واحدا لأن فيه الجيم أو الألف أو الهمزة فإن كل واحدة منها فرد من أفراد الصوت المتكون من اعتماد نفس المتكلم على مخرج من مخارج فمه ، والمجموع أصوات كثيرة ليست بواحدة البتة إلا بحسب الوضع والاعتبار.
ثم إن الذي تكلم به قائل القول الأول ثانيا والذي تكلم به الناقل الذي ينقله عن صاحبه الأول ثالثا ورابعا وغير ذلك أفراد أخر من الصوت مماثلة لما في الكلام الأول المفروض من الأصوات المتكونة وليست عينها إلا بحسب الاعتبار وضرب من التوسع.
وليست هذه الأصوات كلاما إلا من حيث إنها علائم وأمارات بحسب الوضع والاعتبار تدل على معان ذهنية ، ولا واحدا إلا باعتبار تعلق غرض واحد بها.
ويتحصل بذلك أن الكلام بما أنه كلام أمر وضعي اعتباري لا تحقق له في الخارج من ظرف الدعوى والاعتبار ، وإنما المتحقق في الخارج حقيقة الأفراد من الصوت التي جعلت علائم بالوضع والاعتبار بما أنها أصوات لا بما أنها علائم مجعولة ، وإنما ينسب التحقق إلى الكلام بنوع من العناية.
ومن هنا يظهر أن الكلام لا يتصف بشيء من الحدوث والبقاء فإن الحدوث وهو مسبوقية الوجود بالعدم الزماني والبقاء وهو كون الشيء موجودا في الآن بعد الآن على نعت الاتصال من شئون الحقائق الخارجية ، ولا تحقق للأمور الاعتبارية في الخارج.
وكذا لا يتصف الكلام بالقدم وهو عدم كون وجود الشيء مسبوقا بعدم زماني لأن القدم أيضا كالحدوث في كونه من شئون الحقائق الخارجية دون الأمور الاعتبارية.
على أن في اتصاف الكلام بالقدم إشكالا آخر بحياله ، وهو أن الكلام هو المؤلف من حروف مترتبة متدرجة بعضها قبل وبعضها بعد ، ولا يتصور في القدم تقدم وتأخر وإلا كان المتأخر حادثا وهو قديم هذا خلف ، فالكلام ـ بمعنى الحروف المؤلفة الدالة على معنى تام بالوضع ـ لا يتصور فيه قدم مع كونه محالا في نفس الأمر فافهم ذلك.
٢ ـ هل الكلام بما هو كلام فعل أو صفة ذاتية بمعنى أن ذات المتكلم هل هي تامة