كناية عن الملك فتتصل الآيتان ويكون قوله : « لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ » بالحقيقة برهانا على ملكه تعالى كما أن ملكه وعدم مسئوليته برهان على ربوبيته ، وبرهانا على مملوكيتهم كما أن مملوكيتهم ومسئوليتهم برهان على عدم ربوبيتهم فإن الفاعل الذي ليس بمسئولين عن فعله بوجه هو الذي يملك الفعل مطلقا لا محالة ، والفاعل الذي هو مسئول عن فعله هو الذي لا يملك الفعل إلا إذا كان ذا مصلحة والمصلحة هي التي تملكه وترفع المؤاخذة عنه ، ورب العالم أو جزء من أجزائه هو الذي يملك تدبيره باستقلال من ذاته أي لذاته لا بإعطاء من غيره فالله سبحانه هو رب العرش وغيره مربوبون له.
( بحث في حكمته تعالى ومعنى كون فعله مقارنا للمصلحة )
وهو بحث فلسفي وقرآني
الحركات المتنوعة المختلفة التي تصدر منا إنما تعد فعلا لنا إذا تعلقت نوعا من التعلق بإرادتنا فلا تعد الصحة والمرض والحركة الاضطرارية بالحركة اليومية أو السنوية مثلا أفعالا لنا ، ومن الضروري أن إرادة الفعل تتبع العلم برجحانه والإذعان بكونه كمالا لنا ، بمعنى كون فعله خيرا من تركه ونفعه غالبا على ضرره فما في الفعل من جهة الخير المترتب عليه هو المرجح له أي هو الذي يبعثنا نحو الفعل أي هو السبب في فاعلية الفاعل منا وهذا هو الذي نسميه غاية الفاعل في فعله وغرضه من فعله وقد قطعت الأبحاث الفلسفية أن الفعل بمعنى الأثر الصادر عن الفاعل إراديا كان أو غير إرادي لا يخلو من غاية.
وكون الفعل مشتملا على جهة الخيرية المترتبة على تحققه هو المسمى بمصلحة الفعل فالمصلحة التي يعدها العقلاء وهم أهل الاجتماع الإنساني مصلحة هي الباعثة للفاعل على فعله ، وهي سبب إتقان الفعل الموجب لعد الفاعل حكيما في فعله ، ولولاها لكان الفعل لغوا لا أثر له.
ومن الضروري أن المصلحة المترتبة على الفعل لا وجود لها قبل وجود الفعل ، فكونها باعثة للفاعل نحو الفعل داعية له إليه إنما هو بوجودها علما لا بوجودها خارجا بمعنى أن الواحد منا عنده صورة علمية مأخوذة من النظام الخارجي بما فيه من القوانين الكلية الجارية والأصول المنتظمة الحاكمة بانسياق الحركات إلى غاياتها والأفعال إلى