التمسك بقوله ـ وهو متصل بالآية ـ : « فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ » فإن الآية تثبت له الملك المطلق والملك متبع في إرادته مطاع في أمره لأنه ملك ـ أي لذاته ـ لا لأن فعله أو قوله موافق لمصلحة مرجحة وإلا لم يكن فرق بينه وبين أدنى رعيته وكانت المصلحة هي المتبعة ولم تكن طاعته مفترضة في بعض الأحيان ، وكذلك المولى متبع ومطاع لعبده فيما له من المولوية من جهة أنه مولى ليس للعبد أن يسأله فيما يريده منه ويأمره به عن وجه الحكمة والمصلحة فالملك على ما له من السعة مبدأ لجواز التصرفات وسلطنة عليها لذاته.
فالله سبحانه ملك ومالك للكل والكل مملوكون له محضا فله أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وليس لغيره ذلك ، وله أن يسألهم عما يفعلون وليس لغيره أن يسألوه عما يفعل نعم هو سبحانه أخبرنا أنه حكيم لا يفعل إلا ما فيه مصلحة ولا يريد إلا ذلك فليس لنا أن نسيء به الظن فيما ينسب إليه من الفعل بعد هذا العلم الإجمالي بحكمته المطلقة فضلا عن سؤاله عما يفعل ، ومن ألطف الآيات دلالة على هذا الذي ذكرنا قوله حكاية عن عيسى بن مريم : « إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » المائدة : ١١٨ حيث يوجه عذابهم بأنهم مملوكون له ويوجه مغفرتهم بكونه حكيما.
ومن هنا يظهر أن الحكمة بوجه ما أعم من قوله : « لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ » بخلاف الملك فالملك أقرب إلى توجيه الآية منها كما أشرنا إليه.
الأمر الثاني : أن الآية على ما وجهوها به خفية الاتصال بالسياق السابق وغاية ما قيل في اتصالها بما قبلها ما في مجمع البيان : أنه تعالى لما بين التوحيد عطف عليه بيان العدل ، وأنت خبير بأن مآله الاستطراد ولا موجب له.
ونظيره ما نقل عن أبي مسلم أنها تتصل بقوله في أول السورة : « اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ » والحساب هو السؤال عما أنعم الله عليهم به ، وهل قابلوا نعمه بالشكر أم قابلوها بالكفر؟ وفيه أن للآيات التالية لهذه الآية اتصالا واضحا بما قبلها فلا معنى لاتصالها وحدها بأول السورة. على أن قوله على تقدير تسليمه يوجه اتصال ذيل الآية والصدر باق على ما كان.
وأنت خبير أن توجيه الآية بالملك دون الحكمة كما قدمناه يكشف عن اتصال الآية بما قبلها من قوله : « فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ » فالعرش ـ كما تقدم ـ