في نفسها مستغنية عن الكلام ثم يتفرع عليها الكلام أو أن قوام الذات متوقف عليه كتوقف الحيوان في ذاته على الحياة أو كعدم انفكاك الأربعة عن الزوجية في وجه ، لا ريب أن الكلام بحسب الحقيقة ليس فعلا ولا صفة للمتكلم لأنه أمر اعتباري لا تحقق له إلا في ظرف الدعوى والوضع فلا يكون فعلا حقيقيا صادرا عن ذات خارجية ولا صفة لموصوف خارجي.
نعم الكلام بما أنه عنوان لأمر خارجي وهو الأصوات المؤلفة وهي أفعال خارجية للمتصوت بها تعد فعلا للمتكلم بنوع من التوسع ثم يؤخذ عن نسبته إلى الفاعل وصف له وهو التكلم والتكليم كما في نظائره من الاعتباريات كالخضوع والإعظام والإهانة والبيع والشري ونحو ذلك.
٣ ـ تحليل معنى الكلام من الممكن أن يحلل الكلام من جهة غرضه وهو الكشف عن المعاني المكنونة في الضمير فيعود بذلك أمرا حقيقيا بعد ما كان اعتباريا ، وهذا أمر جار في جل الاعتباريات أو كلها ، وقد استعمله القرآن في معان كثيرة كالسجود والقنوت والطوع والكره والملك والعرش والكرسي والكتاب وغير ذلك.
فحقيقة الكلام هو ما يكشف به عن مكنونات الضمير فكل معلول كلام لعلته لكشفه بوجوده عن كمالها المكنون في ذاتها ، وأدق من ذلك أن صفات الشيء الذاتية كلام له يكشف به عن مكنون ذاته ، وهذا هو الذي يذكر الفلاسفة أن صفاته تعالى الذاتية كالعلم والقدرة والحياة كلام له تعالى ، وأيضا العالم كلامه تعالى.
وبين أن الكلام بناء على هذا التحليل في قدمه وحدوثه تابع لسنخ وجوده ، فالعلم الإلهي كلام قديم بقدم الذات وزيد الحادث بما هو آية تكشف عن ربه كلام له حادث ، والوحي النازل على النبي بما أنه تفهيم إلهي حادث بحدوث التفهيم وبما أنه في علم الله ـ واعتبر علمه كلاما له ـ قديم بقدم الذات كعلمه تعالى بجميع الأشياء من حادث وقديم.
٤ ـ تحصل من الفصول السابقة أن القرآن الكريم إن أريد به هذه الآيات التي نتلوها بما أنها كلام دال على معان ذهنية نظير سائر الكلام ليس بحسب الحقيقة لا حادثا ولا قديما. نعم هو متصف بالحدوث بحدوث الأصوات التي هي معنونة بعنوان الكلام والقرآن.