أغراضها وما تحصل عنده بالتجربة من روابط الأشياء بعضها مع بعض ، ولا ريب أن هذا النظام العلمي تابع للنظام الخارجي مترتب عليه.
وشأن الفاعل الإرادي منا أن يطبق حركاته الخاصة المسماة فعلا على ما عنده من النظام العلمي ويراعي المصالح المتقررة فيه في فعله ببناء إرادته عليها فإن أصاب في تطبيقه الفعل على العلم كان حكيما في فعله متقنا في عمله وإن أخطأ في انطباق العلم على المعلوم الخارجي وإن لم يصب لقصور أو تقصير لم يسم حكيما بل لاغيا وجاهلا ونحوهما.
فالحكمة صفة الفاعل من جهة انطباق فعله على النظام العلمي المنطبق على النظام الخارجي واشتمال فعله على المصلحة هو ترتبه على الصورة العلمية المترتبة على الخارج ، فالحكمة بالحقيقة صفة ذاتية للخارج وإنما يتصف الفاعل أو فعله بها من جهة انطباق الفعل عليه بوساطة العلم ، وكذا الفعل مشتمل على المصلحة بمعنى تفرعه على صورتها العلمية المحاكية للخارج.
وهذا إنما يتم في الفعل الذي أريد به مطابقة الخارج كأفعالنا الإرادية وأما الفعل الذي هو نفس الخارج وهو فعل الله سبحانه فهو نفس الحكمة لا لمحاكاته أمرا آخر هو الحكمة وفعله مشتمل على المصلحة بمعنى أنه متبوع المصلحة لا تابع للمصلحة بحيث تدعوه إليه وتبعثه نحوه كما عرفت.
وكل فاعل غيره تعالى يسأل عن فعله بقول « لم فعلت كذا »؟ والمطلوب به أن يطبق فعله على النظام الخارجي بما عنده من النظام العلمي ويشير إلى وجه المصلحة الباعثة له نحو الفعل ، وأما هو سبحانه فلا مورد للسؤال عن فعله إذ فعله نفس النظام الخارجي الذي يطلب بالسؤال تطبيق الفعل عليه ولا نظام خارجي آخر حتى يطبق هو عليه ، وفعله هو الذي تكون صورته العلمية مصلحة داعية باعثة نحو الفعل ولا نظام آخر فوقه ـ كما سمعت ـ حتى تكون الصورة العلمية المأخوذة منه مصلحة باعثة نحو هذا النظام فافهم.
وأما ما ذكره بعضهم أن له تعالى علما تفصيليا بالأشياء قبل إيجادها والعلم تابع للمعلوم فللأشياء ثبوت ما في نفسها قبل الإيجاد يتعلق بها العلم بحسب ذلك الثبوت ولها مصالح مترتبة واستعدادات أزلية على الوجود والخير والشر يعلم تعالى بها بحسب ذلك الثبوت ثم يفيض عليها الوجود هاهنا على ما علم.