العلمية الحديثة هذه النظرة حيث أوضحت أن الأجرام التي تحت الحس مؤلفة من عناصر معدودة مشتركة ولكل منها بقاء محدود وعمر مؤجل وإن اختلفت بالطول والقصر.
هذا لو أريد برتق السماوات والأرض عدم تميز بعضها من بعض وبالفتق تميز السماوات من الأرض ولو أريد برتقها عدم الانفصال بين أجزاء كل منهما في نفسه حتى ينزل من السماء شيء أو يخرج من الأرض شيء وبفتقها خلاف ذلك كان المعنى أن السماوات كانت رتقا لا تمطر ففتقناها بالإمطار والأرض كانت رتقا لا تنبت ففتقناها بالإنبات وتم البرهان وربما أيده قوله بعد : « وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ » لكنه يختص من بين جميع الحوادث بالإمطار والإنبات ، بخلاف البرهان على التقريب الأول.
وذكر بعض المفسرين وارتضاه آخرون أن المراد برتق السماوات والأرض عدم تميز بعضها من بعض حال عدمها السابق ، وبفتقها تميز بعضها من بعض في الوجود بعد العدم فيكون احتجاجا بحدوث السماوات والأرض على وجود محدثها وهو الله سبحانه.
وفيه أن الاحتجاج بالحدوث على المحدث تام في نفسه ، لكنه لا ينفع قبال الوثنيين المعترفين بوجوده تعالى واستناد الإيجاد إليه ووجه الكلام إليهم ، وإنما ينفع قبالهم من الحجة ما يثبت بها استناد التدبير إليه تعالى تجاه ما يسندون التدبير إلى آلهتهم ويعلقون العبادة على ذلك.
وقوله : « وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ » ظاهر السياق أن الجعل بمعنى الخلق و « كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ » مفعوله والمراد أن للماء دخلا تاما في وجود ذوي الحياة كما قال : « وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ » النور : ٤٥ ، ولعل ورود القول في سياق تعداد الآيات المحسوسة يوجب انصراف الحكم بغير الملائكة ومن يحذو حذوهم ، وقد اتضح ارتباط الحياة بالماء بالأبحاث العلمية الحديثة.
قوله تعالى : « وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ » قال في المجمع : الرواسي الجبال رست ترسو رسوا إذا ثبتت بثقلها فهي راسية كما ترسو السفينة إذا وقفت متمكنة في وقوفها ، والميد الاضطراب بالذهاب في الجهات ، والفج الطريق الواسع بين الجبلين. انتهى.
والمعنى : وجعلنا في الأرض جبالا ثوابت لئلا تميل وتضطرب الأرض بهم وجعلنا في تلك الجبال طرقا واسعة هي سبل لعلهم يهتدون منها إلى مقاصدهم ومواطنهم.