هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧) )
( بيان )
من تتمة الكلام حول النبوة يذكر فيها بعض ما قاله المشركون في النبي صلىاللهعليهوآله كقولهم : سيموت فنتخلص منه ونستريح وقولهم استهزاء به : ( أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ) ، وقولهم استهزاء بالبعث والقيامة التي أنذروا بها : ( مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) وفيها جواب أقاويلهم وإنذار وتهديد لهم وتسلية للنبي صلىاللهعليهوآله.
قوله تعالى : « وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ » يلوح من الآية أنهم كانوا يسلون أنفسهم بأن النبي صلىاللهعليهوآله سيموت فيتخلصون من دعوته وتنجو آلهتهم من طعنة كما حكى ذلك عنهم في مثل قولهم : « نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ » الطور : ٣٠ ، فأجاب عنه بأنا لم نجعل لبشر من قبلك الخلد حتى يتوقع ذلك لك بل إنك ميت وإنهم ميتون ، ولا ينفعهم موتك شيئا فلا أنهم يقبضون على الخلود بموتك ، فالجميع ميتون ، ولا أن حياتهم القصيرة المؤجلة تخلو من الفتنة والامتحان الإلهي فلا يخلو منه إنسان في حياته الدنيا ، ولا أنهم خارجون بالآخرة من سلطاننا بل إلينا يرجعون فنحاسبهم ونجزيهم بما عملوا.
وقوله : « أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ » ولم يقل : فهم خالدون والاستفهام للإنكار يفيد نفي قصر القلب كأنه قيل : إن قولهم : نتربص به ريب المنون كلام من يرى لنفسه خلودا أنت مزاحمه فيه فلو مت لذهب بالخلود وقبض عليه وعاش عيشة خالدة