وحمية وعصبية ولم يكن فيهم يومئذ ـ وهو أول دعوة إبراهيم ـ موحد غيره فلم يكن من الحزم أن يخبر القوم بقصده أصنامهم بالسوء وخاصة بالتصريح على أن ذلك منه بالكيد يوم تخلو البلدة أو بيت الأصنام من الناس كمن يفشي سرا لمن يريد أن يكتمه منه اللهم إلا أن يكون مخاطبا به بعض القوم ممن لا يتعداهم القول وأما إعلان السر لعامتهم فلا قطعا.
قوله تعالى : « فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ » قال الراغب الجذ كسر الشيء وتفتيته ويقال لحجارة الذهب المكسورة ولفتات الذهب جذاذا ومنه قوله تعالى : « فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً » انتهى فالمعنى فجعل الأصنام قطعا مكسورة إلا صنما كبيرا من بينهم.
وقوله : « لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ » ظاهر السياق أن هذا الترجي لبيان ما كان يمثله فعله أي كان فعله هذا حيث كسر الجميع إلا واحدا كبيرا لهم فعل من يريد بذلك أن يرى القوم ما وقع على أصنامهم من الجذ ويجدوا كبيرهم سالما بينهم فيرجعوا إليه ويتهموه في أمرهم كمن يقتل قوما ويترك واحدا منهم ليتهم في أمرهم.
وعلى هذا فالضمير في قوله : « إِلَيْهِ » راجع إلى « كَبِيراً لَهُمْ » ويؤيد هذا المعنى أيضا قول إبراهيم الآتي : « بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا » في جواب قولهم : « أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا ».
والجمهور من المفسرين على أن ضمير « إِلَيْهِ » لإبراهيم عليهالسلام والمعنى فكسر الأصنام وأبقى كبيرهم لعل الناس يرجعون إلى إبراهيم فيحاجهم ويبكتهم ويبين بطلان ألوهية أصنامهم ، وذهب بعضهم إلى أن الضمير لله سبحانه والمعنى فكسرهم وأبقاه لعل الناس يرجعون إلى الله بالعبادة لما رأوا حال الأصنام وتنبهوا من كسرها أنها ليست بآلهة كما كانوا يزعمون.
وغير خفي أن لازم القولين كون قوله : « إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ » مستدركا وإن تكلف بعضهم في دفع ذلك بما لا يغني عن شيء ، وكان المانع لهم من إرجاع الضمير إلى « كَبِيراً » عدم استقامة الترجي على هذا التقدير لكنك عرفت أن ذلك لبيان ما يمثله فعله عليهالسلام لمن يشهد صورة الواقعة لا لبيان ترج جدي من إبراهيم عليهالسلام.
قوله تعالى : « قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ » استفهام بداعي