وقوله : « وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ » إضافة المصدر إلى معموله تفيد تحقق معناه في الخارج فإن أريد أن لا يفيد الكلام ذلك جيء بالقطع عن الإضافة أو بأن وأن الدالتين على تأويل المصدر نص على ذلك الجرجاني في دلائل الإعجاز فقولنا : يعجبني إحسانك وفعلك الخير وقوله تعالى : « ما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ » » البقرة : ٤٣ أيدل على الوقوع قبلا ، وقولنا : يعجبني أن تحسن وأن تفعل الخير وقوله تعالى : « أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ » البقرة : ١٨٤ لا يدل على تحقق قبلي ، ولذا كان المألوف في آيات الدعوة وآيات التشريع الإتيان بأن والفعل دون المصدر المضاف كقوله : « أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ » » الرعد : ٣٦ ، و « أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ » يوسف : ٤٠ « وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ » الأنعام : ٧٢.
وعلى هذا فقوله : « وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ » إلخ. يدل على تحقق الفعل أي أن الوحي تعلق بالفعل الصادر عنهم أي أن الفعل كان يصدر عنهم بوحي مقارن له ودلالة إلهية باطنية هو غير الوحي المشرع الذي يشرع الفعل أولا ويترتب عليه إتيان الفعل على ما شرع.
ويؤيد هذا الذي ذكر قوله بعد : « وَكانُوا لَنا عابِدِينَ » فإنه يدل بظاهره على أنهم كانوا قبل ذلك عابدين لله ثم أيدوا بالوحي وعبادتهم لله إنما كانت بأعمال شرعها لهم الوحي المشرع قبلا فهذا الوحي المتعلق بفعل الخيرات وحي تسديد ليس وحي تشريع.
فالمحصل أنهم كانوا مؤيدين بروح القدس والطهارة مسددين بقوة ربانية تدعوهم إلى فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وهي الإنفاق المالي الخاص بشريعتهم.
والقوم حملوا الوحي في الآية على وحي التشريع فأشكل عليهم الأمر أولا من جهة أن فعل الخيرات بالمعنى المصدري ليس متعلقا للوحي بل متعلقه حاصل الفعل ، وثانيا أن التشريع عام للأنبياء وأممهم وقد خص في الآية بهم ، ولذا ذكر الزمخشري أن المراد بفعل الخيرات وما يتلوه من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة المصدر المبني للمفعول ، والمعنى وأوحينا إليهم أن يفعل الخيرات ـ بالبناء للمجهول ـ وهكذا ، وبه يندفع الإشكالان إذ المصدر المبني للمفعول وحاصل الفعل كالمترادفين فيندفع الإشكال الأول ، والفاعل فيه مجهول ينطبق على الأنبياء وأممهم جميعا فيندفع الإشكال الثاني