ويمكن أن يكون قوله : « إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ » واردا مورد التمثيل أي كان ذهابه هذا ومفارقة قومه ذهاب من كان مغاضبا لمولاه وهو يظن أن مولاه لن يقدر عليه وهو يفوته بالابتعاد منه فلا يقوى على سياسته وأما كونه عليهالسلام مغاضبا لربه حقيقة وظنه أن الله لا يقدر عليه جدا فمما يجل ساحة الأنبياء الكرام عن ذلك قطعا وهم معصومون بعصمة الله.
وقوله : « فَنادى فِي الظُّلُماتِ » إلخ. فيه إيجاز بالحذف والكلام متفرع عليه والتقدير فابتلاه الله بالحوت فالتقمه فنادى في بطنه ربه ، والظاهر أن المراد بالظلمات كما قيل ـ ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل.
وقوله : « أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ » تبر منه عليهالسلام مما كان يمثله ذهابه لوجهه ومفارقته قومه من غير أن يؤمر فإن ذهابه ذلك كان يمثل ـ وإن لم يكن قاصدا ذلك متعمدا فيه ـ أن هناك مرجعا يمكن أن يرجع إليه غير ربه فتبرأ من ذلك بقوله ( لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ ) ، وكان يمثل أن من الجائز أن يعترض على فعله فيغاضب منه وأن من الممكن أن يفوته تعالى فائت فيخرج من حيطة قدرته فتبرأ من ذلك بتنزيهه بقوله : سبحانك.
وقوله : « إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ » اعتراف بالظلم من حيث إنه أتى بعمل كان يمثل الظلم وإن لم يكن ظلما في نفسه ولا هو عليهالسلام قصد به الظلم والمعصية غير أن ذلك كان تأديبا منه تعالى وتربية لنبيه ليطأ بساط القرب بقدم مبرأة في مشيتها من تمثيل الظلم فضلا عن نفس الظلم.
قوله تعالى : « فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ » هو عليهالسلام وإن لم يصرح بشيء من الطلب والدعاء ، وإنما أتى بالتوحيد والتنزيه واعترف بالظلم لكنه أظهر بذلك حاله وأبدى موقفه من ربه وفيه سؤال النجاة والعافية فاستجاب الله له. ونجاه من الغم وهو الكرب الذي نزل به.
وقوله : « وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ » وعد بالإنجاء لمن ابتلي من المؤمنين بغم ثم نادى ربه بمثل ما نادى به يونس عليهالسلام وستجيء قصته عليهالسلام في سورة الصافات إن شاء الله.