المتقدم قال تعالى : « وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ » انتهى.
استفهم أولا متعجبا من حال نفسه إذ لا يرى الهدهد بين الطير كأنه لم يكن من المظنون في حقه أن يغيب عن موكبه ويستنكف عن امتثال أمره ثم أضرب عن ذلك بالاستفهام عن غيبته.
والمعنى : ما بالي لا أرى الهدهد بين الطيور الملازمة لموكبي بل أكان من الغائبين.
قوله تعالى : « لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ » اللامات للقسم والسلطان المبين البرهان الواضح ، يقضي عليهالسلام على الهدهد أحد ثلاث خصال : العذاب الشديد والذبح وفيهما شقاؤه ، والإتيان بحجة واضحة وفيه خلاصه ونجاته.
قوله تعالى : « فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ » ضمير « فَمَكَثَ » لسليمان ويحتمل أن يكون للهدهد ويؤيد الأول سابق السياق والثاني لاحقه ، والمراد بالإحاطة العلم الكامل ، وقوله : « وَجِئْتُكَ » إلخ ، بمنزلة عطف التفسير لقوله : « أَحَطْتُ » إلخ ، وسبأ بلدة باليمن كانت عاصمته يومئذ والنبأ الخبر الذي له أهمية ، واليقين ما لا شك فيه.
والمعنى : فمكث سليمان ـ أو فمكث الهدهد ـ زمانا غير بعيد ـ ثم حضر فسأله سليمان عن غيبته وعاتبه ـ فقال أحطت من العلم بما لم تحط به وجئتك من سبإ بخبر مهم لا شك فيه.
ومنه يظهر أن في الآية حذفا وإيجازا ، وقد قيل : إن في قول الهدهد : « أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ » كسرا لسورة سليمان عليهالسلام فيما شدد عليه.
قوله تعالى : « إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ » الضمير في « تَمْلِكُهُمْ » لأهل سبإ وما يتبعها وقوله : « وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » وصف لسعة ملكها وعظمته وهو القرينة على أن المراد بكل شيء في الآية كل شيء هو من لوازم الملك العظيم من حزم وعزم وسطوة ومملكة عريضة وكنوز وجنود مجندة ورعية مطيعة ، وخص بالذكر من بينها عرشها العظيم.
قوله تعالى : « وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ » إلخ ، أي إنهم