لينبهه ويسدده في خلافته وحكمه بين الناس ، كل ذلك يؤيد كونهم من الملائكة وقد تمثلوا له في صورة رجال من الإنس.
وعلى هذا فالواقعة تمثل تمثل فيه الملائكة في صورة متخاصمين لأحدهما نعجة واحدة يسألها آخر له تسع وتسعون نعجة وسألوه القضاء فقال لصاحب النعجة الواحدة : « لَقَدْ ظَلَمَكَ » إلخ وكان قوله عليهالسلام ـ لو كان قضاء منجزا ـ حكما منه في ظرف التمثل كما لو كان رآهم فيما يرى النائم فقال لهم ما قال وحكم فيهم بما حكم ومن المعلوم أن لا تكليف في ظرف التمثل كما لا تكليف في عالم الرؤيا وإنما التكليف في عالمنا المشهود وهو عالم المادة ولم تقع الواقعة فيه ولا كان هناك متخاصمان ولا نعجة ولا نعاج إلا في ظرف التمثل فكانت خطيئة داود عليهالسلام في هذا الظرف من التمثل ولا تكليف هناك كخطيئة آدم عليهالسلام في الجنة من أكل الشجرة قبل الهبوط إلى الأرض وتشريع الشرائع وجعل التكاليف ، واستغفاره وتوبته مما صدر منه كاستغفار آدم وتوبته مما صدر منه وقد صرح الله بخلافته في كلامه كما صرح بخلافة آدم عليهالسلام في كلامه وقد مر توضيح ذلك في قصة آدم عليهالسلام من سورة البقرة في الجزء الأول من الكتاب.
وأما على قول بعض المفسرين من أن المتخاصمين الداخلين عليه كانوا بشرا والقصة على ظاهرها فينبغي أن يؤخذ قوله : « لَقَدْ ظَلَمَكَ » إلخ قضاء تقديريا أي إنك مظلوم لو لم يأت خصيمك بحجة بينة ، وإنما ذلك لحفظ على ما قامت عليه الحجة من طريقي العقل والنقل أن الأنبياء معصومون بعصمة من الله لا يجوز عليهم كبيرة ولا صغيرة.
على أن الله سبحانه صرح قبلا بأنه آتاه الحكمة وفصل الخطاب ولا يلائم ذلك خطأه في القضاء.
قوله تعالى : « وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ » الزلفة والزلفى المنزلة والحظوة ، والمآب المرجع ، وتنكير « لَزُلْفى » و « مَآبٍ » للتفخيم ، والباقي ظاهر.
قوله تعالى : « يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ » إلى آخر الآية الظاهر أن الكلام بتقدير القول والتقدير فغفرنا له ذلك وقلنا يا داود « إلخ ».
وظاهر الخلافة أنها خلافة الله فتنطبق على ما في قوله تعالى : « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » البقرة : ـ ٣٠ ومن شأن الخلافة أن يحاكي الخليفة