وهي محجوبة اليوم وتحجب وتستر آثار الأسباب وروابطها وهي ظاهرة اليوم وتذل الأعزة من أهل الكفر والفسق وتعز المتقين.
قوله تعالى : « إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا » الرج تحريك الشيء تحريكا شديدا إشارة إلى زلزلة الساعة التي يعظمها الله سبحانه في قوله : « إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ » الحج : ١ ، وقد عظمها في هذه الآية حيث عبر عنها برج الأرض ثم أكد شدتها بتنكير قوله : « رَجًّا » أي رجا لا يوصف شدته. والجملة بدل أو بيان لقوله : « إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ».
قوله تعالى : « وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا » عطف على رُجَّتِ والبس الفت وهو عود الجسم بدق ونحوه أجزاء صغارا متلاشية كالدقيق ، وقيل : البس هو التسيير فهو في معنى قوله : « وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ » النبأ : ٢٠.
وقوله : « فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا » الهباء قيل : هو الغبار وقيل : هو الذرة من الغبار الظاهر في شعاع الشمس الداخل من كوة ، والانبثاث التفرق ، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى : « وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً » الزوج بمعنى الصنف والخطاب لعامة البشر.
قوله تعالى : « فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ » متفرع على ما قبلها تفرع البيان على المبين ، فهذه الآية والآيتان بعدها بيان للأزواج الثلاثة.
والميمنة من اليمن مقابل الشؤم ، فأصحاب الميمنة أصحاب السعادة واليمن مقابل أصحاب المشأمة أصحاب الشقاء والشؤم ، وما قيل : إن المراد بالميمنة اليمين ، أي ناحية اليمين لأنهم يؤتون كتابهم بيمينهم وغيرهم يؤتونه بشمالهم يرده مقابلة أصحاب الميمنة بأصحاب المشأمة ، ولو كان كما قيل لقيل أصحاب الشمال وهو ظاهر.
وما في قوله : « ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ » استفهامية ومبتدأ خبره « فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ » ، والمجموع خبر لقوله : « فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ » وفي الاستفهام إعظام لأمرهم وتفخيم لشأنهم.
قوله تعالى : « وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ » المشأمة مصدر كالشؤم مقابل اليمين ، والميمنة والمشأمة السعادة والشقاء.
قوله تعالى : « وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ » الذي يصلح أن يفسر به السابقون الأول قوله تعالى : « فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ » فاطر ٣٢ ، وقوله : « وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ » البقرة : ١٤٨ ، وقوله : « أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ » المؤمنون : ٦١.