يؤمنوا وإلا بقوا على كفرهم وقيل غير ذلك.
وهي جميعا معان بعيدة من السياق والتعويل على ما تقدم.
قوله تعالى : « كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ » ردع لهم بما يريدونه من نزول كتاب سماوي على كل واحد منهم فإن دعوة الرسالة مؤيدة بآيات بينة وحجج قاطعة لا تدع ريبا لمرتاب فالحجة تامة قائمة على الرسول وغيره على حد سواء من غير حاجة إلى أن يؤتى كل واحد من الناس المدعوين صحفا منشرة.
على أن الرسالة تحتاج من طهارة الذات وصلاحية النفس إلى ما يفقده نفوس سائر الناس كما هو مدلول جوابه تعالى في سورة الأنعام عن قولهم : « لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ » بقوله : « اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ».
وقوله : « بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ » إضراب عن قوله : « يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ » إلخ ، والمراد أن اقتراحهم نزول كتاب على كل امرئ منهم قول ظاهري منهم يريدون به صرف الدعوة عن أنفسهم ، والسبب الحقيقي لكفرهم وتكذيبهم بالدعوة أنهم لا يخافون الآخرة ، ولو خافوها لآمنوا ولم يقترحوا آية بعد قيام الحجة بظهور الآيات البينات.
قوله تعالى : « كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ » ردع ثان لاقتراحهم نزول كتاب سماوي لكل امرئ منهم ، والمعنى لا ننزل كتابا كذلك أن القرآن تذكرة وموعظة نعظهم به لا نريد به أزيد من ذلك ، وأثر ذلك ما أعد للمطيع والعاصي عندنا من الجزاء.
قوله تعالى : « فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ » أي فمن شاء اتعظ به فإنما هي دعوة في ظرف الاختيار من غير إكراه.
قوله تعالى : « وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ » دفع لما يمكن أن يتوهموه من قوله تعالى : « فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ » أن الأمر إليهم وأنهم مستقلون في إرادتهم وما يترتب عليها من أفعالهم فإن لم يشاءوا الذكر ولم يذكروا غلبوه تعالى فيما أراد وأعجزوه فيما شاء من ذكرهم.
والمحصل من الدفع أن حكم القدر جاء في أفعالهم كغيرها من الحوادث ، وتذكرهم إن تذكروا وإن كان فعلا اختياريا صادرا عنهم باختيارهم من غير إكراه فالمشية الإلهية متعلقة به بما هو اختياري بمعنى أن الله تعالى يريد بإرادة تكوينية أن يفعل الإنسان