وقوله : « لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً » أي لا يسمعون في الجنة لغوا من القول لا يترتب عليه أثر مطلوب ولا تكذيبا من بعضهم لبعضهم فيما قال فقولهم حق له أثره المطلوب وصدق مطابق للواقع.
قوله تعالى : « جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً » أي فعل بالمتقين ما فعل حال كونه جزاء من ربك عطية محسوبة فقوله : « جَزاءً » حال وكذا « عَطاءً » و « حِساباً » بمعنى اسم المفعول صفة لعطاء ، ويحتمل أن يكون عطاء تمييزا أو مفعولا مطلقا.
قيل : إضافة الجزاء إلى الرب مضافا إلى ضميره صلىاللهعليهوآله تشريف له ، ولم يضف جزاء الطاغين إليه تعالى تنزها منه تعالى فليس يغشاهم شر إلا من عند أنفسهم قال تعالى : « ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ » الأنفال : ٥١.
ووقوع لفظ الحساب في ذيل جزاء الطاغين والمتقين معا لتثبيت ما يلوح إليه يوم الفصل الواقع في أول الكلام.
قوله تعالى : « رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ » بيان لقوله : « رَبِّكَ » أريد به أن ربوبيته تعالى عامة لكل شيء وأن الرب الذي يتخذه النبي صلىاللهعليهوآله ربا ويدعو إليه رب كل شيء لا كما كان يقول المشركون : إن لكل طائفة من الموجودات ربا والله سبحانه رب الأرباب أو كما كان يقول بعضهم : أنه رب السماء.
وفي توصيف الرب بالرحمن ـ صيغة مبالغة من الرحمة ـ إشارة إلى سعة رحمته وأنها سمة ربوبية لا يحرم منها شيء إلا أن يمتنع منها شيء بنفسه لقصوره وسوء اختياره فمن شقوة هؤلاء الطاغين أنهم حرموها على أنفسهم بالخروج عن طور العبودية.
قوله تعالى : « لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً » وقوع صدر الآية في سياق قوله : « رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ » ـ وشأن الربوبية هو التدبير وشأن الرحمانية بسط الرحمة ـ دليل على أن المراد بخطابه تعالى تكليمه في بعض ما فعل من الفعل بنحو السؤال عن السبب الداعي إلى الفعل كان يقال : لم فعلت هذا؟ ولم لم تفعل كذا؟ كما يسأل الفاعل منا عن فعله فتكون الجملة « لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً » في معنى قوله تعالى : « لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ » الأنبياء : ٢٣ وقد تقدم الكلام في معنى الآية.