لكن وقوع قوله : « يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا » بعد قوله : « لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً » الظاهر في اختصاص عدم الملك بيوم الفصل مضافا إلى وقوعه في سياق تفصيل جزاء الطاغين والمتقين منه تعالى يوم الفصل يعطي أن يكون المراد به أنهم لا يملكون أن يخاطبوه فيما يقضي ويفعل بهم باعتراض عليه أو شفاعة فيهم لكن الملائكة ـ وهم ممن لا يملكون منه خطابا ـ منزهون عن وصمة الاعتراض عليه تعالى وقد قال فيهم : « عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » الأنبياء : ٢٧ وكذلك الروح الذي هو (١) كلمته وقوله ، وقوله (٢) حق ، وهو تعالى (٣) الحق المبين والحق لا يعارض الحق ولا يناقضه.
ومن هنا يظهر أن المراد بالخطاب الذي لا يملكونه هو الشفاعة وما يجري مجراها من وسائل التخلص من الشر كالعدل والبيع والخلة والدعاء والسؤال قال تعالى : « مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ » البقرة : ٢٥٤ ، وقال : « وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ » البقرة : ١٢٣ ، وقال : « يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ » هود : ١٠٥.
وبالجملة قوله : « لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً » ضمير الفاعل في « لا يَمْلِكُونَ » لجميع المجموعين ليوم الفصل من الملائكة والروح والإنس والجن كما هو المناسب للسياق الحاكي عن ظهور العظمة والكبرياء دون خصوص الملائكة والروح لعدم سبق الذكر ودون خصوص الطاغين كما قيل لكثرة الفصل ، والمراد بالخطاب الشفاعة وما يجري مجراها كما تقدم.
وقوله : « يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا » ظرف لقوله : « لا يَمْلِكُونَ » وقيل : لقوله : « لا يَتَكَلَّمُونَ » وهو بعيد مع صلاحية ظرفيته لما سبقه.
والمراد بالروح المخلوق الأمري الذي يشير إليه قوله تعالى : « قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » إسراء : ٨٥.
وقيل : المراد به أشراف الملائكة ، وقيل حفظة الملائكة وقيل : ملك موكل على الأرواح. ولا دليل على شيء من هذه الأقوال.
__________________
(١) النحل : ٤٠.
(٢) الأنعام : ٧٣.
(٣) النور : ٢٥.