إن شاء ولن يدخل بما قدر أن لا يدخلها كافر.
قيل : إن النبي صلىاللهعليهوآله كان يصلي عند الكعبة ويقرأ القرآن فكان المشركون يجتمعون حوله حلقا حلقا وفرقا يستمعون ويستهزءون بكلامه ، ويقولون إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد صلىاللهعليهوآله فلندخلها قبلهم فنزلت الآيات.
وهذا القول لا يلائمه سياق الآيات الظاهر في تفرع صنعهم ذلك على ما مر من حرمان الناس من دخول الجنة إلا من استثني من المؤمنين إذ من الضروري على هذا أن اجتماعهم حوله صلىاللهعليهوآله وإهطاعهم عليه إنما حملهم عليه إفراطهم في عداوته ومبالغتهم في إيذائه وإهانته ، وأن قولهم : سندخل الجنة قبل المؤمنين ـ وهم مشركون مصرون على إنكار المعاد غير معترفين بنار ولا جنة ـ إنما كان استهزاء وتهكما.
فلا مساغ لتفريع عملهم ذاك على ما تقدم من حديث النار والجنة والسؤال ـ في سياق التعجيب ـ عن السبب الحامل لهم عليه ثم استفهام طمعهم في دخول الجنة وإنكاره عليهم.
فبما تقدم يتأيد أن يكون المراد بالذين كفروا في قوله : « فَما لِالَّذِينَ كَفَرُوا » قوما من المنافقين آمنوا به صلىاللهعليهوآله ظاهرا ولازموه ثم كفروا برد بعض ما نزل عليه كما يشير إليه أمثال قوله تعالى : « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ » المنافقون ٣ ، وقوله : « لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ » التوبة ٦٦ ، وقوله : « فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ » التوبة ٧٧.
فهؤلاء قوم كانوا قد آمنوا ودخلوا في جماعة المؤمنين ولازموا النبي صلىاللهعليهوآله مهطعين عليه عن اليمين وعن الشمال عزين ثم كفروا ببعض ما نزل إليه لا يبالون به فقرعهم الله سبحانه في هذه الآيات أنهم لا ينتفعون بملازمته ولا لهم أن يطمعوا في دخول الجنة فليسوا ممن يدخلها وليسوا بسابقين ولا معجزين.
ويؤيده قوله الآتي : « إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ » إلخ على ما سنشير إليه.
قوله تعالى : « كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ » ردع لهم عن الطمع في دخول الجنة مع كفرهم.
وقوله : « إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ » المراد بما يعلمون النطفة فإن الإنسان مخلوق منها.
والكلام مرتبط بما بعده والمجموع تعليل للردع ، ومحصل التعليل أنا خلقناهم من النطفة