ـ وهم يعلمون به ـ فلنا أن نذهب بهم ونخلق مكانهم قوما آخرين يكونون خيرا منهم مؤمنين غير رادين لشيء من دين الله ، ولسنا بمسبوقين حتى يعجزنا هؤلاء الكفار ويسبقونا فندخلهم الجنة وينتقض به ما قدرنا أن لا يدخل الجنة كافر.
وقيل : « من » في قوله : « مِمَّا يَعْلَمُونَ » تفيد معنى لام التعليل ، والمعنى أنا خلقناهم لأجل ما يعلمون وهو الاستكمال بالإيمان والطاعة فمن الواجب أن يتلبسوا بذلك حتى ندخلهم الجنة فكيف يطمعون في دخولها وهم كفار؟ وإنما علموا بذلك من طريق إخبار النبي صلىاللهعليهوآله.
وقيل : « من » لابتداء الغاية ، والمعنى : أنا خلقناهم من نطفة قذرة لا تناسب عالم القدس والطهارة حتى تتطهر بالإيمان والطاعة وتتخلق بأخلاق الملائكة فتدخل وأنى لهم ذلك وهم كفار.
وقيل : المراد بما في « مِمَّا يَعْلَمُونَ » الجنس ، والمعنى أنا خلقناهم من جنس الآدميين الذين يعلمون أو من الخلق الذين يعلمون لا من جنس الحيوانات التي لا تعقل ولا تفقه فالحجة لازمة لهم تامة عليهم ، والوجوه الثلاثة سخيفة.
قوله تعالى : « فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ » المراد بالمشارق والمغارب مشارق الشمس ومغاربها فإن لها في كل يوم من أيام السنة الشمسية مشرقا ومغربا لا يعود إليهما إلى مثل اليوم من السنة القابلة ، ومن المحتمل أن يكون المراد بها مشارق جميع النجوم ومغاربها.
وفي الآية على قصرها وجوه من الالتفات ففي قوله : « فَلا أُقْسِمُ » التفات من التكلم مع الغير في « إِنَّا خَلَقْناهُمْ » إلى التكلم وحده ، والوجه فيه تأكيد القسم بإسناده إلى الله تعالى نفسه.
وفي قوله : « بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ » التفات من التكلم وحده إلى الغيبة ، والوجه فيه الإشارة إلى صفة من صفاته تعالى هي المبدأ في خلق الناس جيلا بعد جيل وهي ربوبيته للمشارق والمغارب فإن الشروق بعد الشروق والغروب بعد الغروب الملازم لمرور الزمان دخلا تاما في تكون الإنسان جيلا بعد جيل وسائر الحوادث الأرضية المقارنة له.
وفي قوله : « إِنَّا لَقادِرُونَ » التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير ، والوجه فيه الإشارة