إلى العظمة المناسبة لذكر القدرة ، وفي ذكر ربوبيته للمشارق والمغارب إشارة إلى تعليل القدرة فإن الذي ينتهي إليه تدبير الحوادث في تكونها لا يعجزه شيء من الحوادث التي هي أفعاله عن شيء منها ولا يمنعه شيء من خلقه من أن يبدله خيرا منه وإلا شاركه المانع في أمر التدبير والله سبحانه واحد لا شريك له في ربوبيته فافهم ذلك.
وقوله : « إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ » « عَلى » متعلق بقوله : « لَقادِرُونَ » والمفعول الأول لنبدل ضمير محذوف راجع إليهم وإنما حذف للإشارة إلى هوان أمرهم وعدم الاهتمام بهم ، و « خَيْراً » مفعوله الثاني وهو صفة أقيمت مقام موصوفها ، والتقدير إنا لقادرون على أن نبدلهم قوما خيرا منهم ، وخيريتهم منهم أن يؤمنوا بالله ولا يكفروا به ويتبعوا الحق ولا يردوه.
وقوله : « وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ » المراد بالسبق الغلبة على سبيل الاستعارة ، وكونه تعالى مسبوقا هو أن يمنعه خلقهم أن يذهب بهم ويأتي بدلهم بقوم خير منهم.
وسياق الآية لا يخلو من تأييد ما لما تقدم من كون المراد بالذين كفروا قوما من المنافقين دون المشركين المعاندين للدين النافين لأصل المعاد فإن ظاهر قوله : « خَيْراً مِنْهُمْ » لا يخلو من دلالة أو إشعار بأن فيهم شائبة خيرية ولله أن يبدل خيرا منهم ، والمشركون لا خير فيهم لكن هذه الطائفة من المنافقين لا يخلو تحفظهم على ظواهر الدين مما آمنوا به ولم يردوه من خير للإسلام.
فقد بان بما تقدم أن قوله : « إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ » إلى آخر الآيات الثلاث تعليل للردع بقوله : « كَلَّا » ، وأن محصل مضمون الآيات الثلاث أنهم مخلوقون من نطفة ـ وهم يعلمون ذلك ـ وهي خلقة جارية والله الذي هو رب الحوادث الجارية التي منها خلق الإنسان جيلا بعد جيل والمدبر لها قادر أن يذهب بهم ويبدلهم خيرا منهم يعتنون بأمر الدين ويستأهلون لدخول الجنة ، ولا يمنعه خلق هؤلاء أن يبدلهم خيرا منهم ويدخلهم الجنة بكمال إيمانهم من غير أن يضطر إلى إدخال هؤلاء الجنة فلا ينتقض تقديره أن الجنة للصالحين من أهل الإيمان.
قوله تعالى : « فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ » أمر للنبي صلىاللهعليهوآله أن يتركهم وما هم فيه ، ولا يلح عليهم بحجاج ولا يتعب نفسه فيهم بعظة ، وقد سمي ما هم عليه بالخوض واللعب دلالة على أنهم لا ينتفعون به انتفاعا حقيقيا على ما لهم