الثاني : أن يكون مذهبه في حجّية خبر الواحد هو نفس مذهب القدماء ، بأن يكون المقتضي في خبر المخالف ناقصاً غير تامّ ، ولاجل ذلك لا يعارض خبر الموافق ، بخلاف الموافق فان الاقتضاء فيه تامّ ، فيقدم على خبر المخالف ، ولكن يعارض خبر الموافق الآخر. وفي ثبوت كلا الامرين نظر.
أما الأول ، فلا ريب في افادتها المدح التامّ وكون المتصف بها معتمداً ضابطاً ، وأما دلالتها على كونه امامياً فغير ظاهر ، إلا إذا اقترنت بالقرائن ، كما إذا كان بناء المؤلف على ترجمة اهل الحق من الرواة وذكر غيره على وجه الاستطراد ، ففي مثل ذلك يستظهر كونها بمعنى الامامي ، كما هو الحال في رجال النجاشي وغيره. وأما دلالتها على كون الراوي إمامياً على وجه الاطلاق فهي غير ثابتة ، إذ ليس للثقة إلا معنى واحد ، وهو من يوثق به في العمل الذي نريده منه ، فالوثاقة المطلوبة من الاطباء غير ما تطلب من نقلة الحديث. فيراد منها الامين في الموضوع الذي تصدى له. وعلى ذلك يصير معنى الثقة في مورد الرواة من يوثق بروايته ، وتطمئن النفس بها لاجل وجود مبادئ فيه تمسكه عن الكذب ، وأوضح المبادئ الممسكة هو الاعتقاد بالله ورسله وأنبيائه ومعاده ، سواء كان مصيباً في سائر ما يدين ، أو لا.
نعم نقل العلاّمة المامقاني في « مقباس الهداية » عن بعض من عاصره بأنه جزم باستفادة كون الراوي اماميا من اطلاق لفظ الثقة عليه ، ما لم يصرّح بالخلاف ، كما نقل عن المحقق البهبهاني دلالته على عدالته (١).
ولكن كلامهما منزّل على وجود قرائن في كلام المستعمل تفيد كلاًّ من هذين القيدين ، وإلا فهو في مظانّ الاطلاق لا يفيد سوى ما يتبادر منه عند أهل اللغة والعرف.
هذا ولم يعلم كون الثقة في كلام القدماء الذين يحكي عنهم الشيخ
__________________
١ ـ مقباس الهداية : ١١٢.