ثانياً : اتصاف جماعة من اصحابنا بعدم الرواية او الارسال إلا عن ثقة ، على فرض ثبوته ، فضيلة لهم ، ليست لها دخالة في الاتصاف بالوثاقة ، بحيث لو لم يكن الكليني مثلهم لا يكون اوثق الناس واثبتهم ، لما عرفت من ان المادة والهيئة لا ترميان إلا إلى التحرز عن الكذب ، والسداد عن الزلة وقلة الاشتباه ، من دون نظر إلى سائر الجهات.
ثالثاً : ان الرواية عن الضعفاء مع ترك التسمية يخالف الوثاقة ، واما الرواية عنهم معها فلا يخالفها ابداً ، نعم اكثار الرواية من الضعفاء كان امراً مذموماً ، وقد رُمي به أحمد بن محمد بن خالد البراقي ، واما النقل عنهم على الوجه المتعارف مع التسمية فلا ينافي الوثاقة والثبت ، فلا مانع من ان يروي الكليني مع ذكر اسمائهم ومع ذلك يكون من اوثق الناس واثبتهم.
رابعاً : ان المتحرزين في النقل عن الضعفاء ، انما يتحرزون في النقل عنهم بلا واسطة ، واما النقل عنهم بواسطة الثقات ، فقد كان رائجاً ، وهذا هو النجاشي لا يروي إلا عن ثقة بلا واسطة ، واما معها فيروي عنه وعن غيره ، ولاجل ذلك يقول في ترجمة ابي المفضل محمد بن عبدالله بن محمد : « كان سافر في طلب الحديث عمره ، اصله كوفي وكان في أول امره ثبتاً ثم خلط ، ورأيت جلّ اصحابنا يغمزونه ويضعفونه ، له كتب ـ إلى ان قال : رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه » (١).
وعلى ذلك فأقصى ما يمكن ان يقال : ان الكليني لا يروي في كتابه بلا واسطة إلا عن الثقات ، واما معها فيروي عن الثقة وغيره ، واما الالتزام بالنقل عن الثقات في جميع السلسلة فلم يثبت في حق احد ، إلا المعروفين بهذا الوصف ، اعني ابن ابي عمير وصفوان والبزنطي كما اوضحناه.
__________________
١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٠٥٩.